الطعام السوري في مصر.. دبلوماسية النكهات

من المعجنات الشهية إلى الأطباق التقليدية، يسهم المطبخ السوري في تقديم نكهات جديدة وجذابة للمصريين. فما إن بدأ السوريون في الوصول، بكثافة إلى مصر، بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011، حتى بدأت مفرداتهم ورموزهم الثقافية، والطعام أبرزها، تحقق انتشارًا واسعًا في المجتمع المضيف.

لم يعد الطعام مجرد وسيلة للتغذية، بل أصبح جسرًا ثقافيًا يربط بين السوريين والمصريين، حيث ساهم المطبخ السوري في تعزيز التبادل الثقافي بين البلدين من خلال نكهاته المتميزة، وطرحه أطباقًا جديدة تناسب ذوق "الأشقاء".

"باب الحارة"، و"ست الشام"، و"الأكلة الشامية" وغيرها من الأسماء التي تشير إلى جنسية أصحابها؛ هكذا انتشرت المطاعم السورية في كافة المحافظات والمدن، وأصبحت منافسة في الأسواق المصرية.

بداية دبلوماسية النكهة

مع قدوم السوريين إلى مصر، بدأت نكهات الشام تنتشر في الأزقة والمحال، لتمتزج تدريجيًا مع تفاصيل الحياة اليومية المصرية، حيث انتشرت مطاعم "الشاورما السورية" و"الفلافل" و"الكباب الحلبي" حتى أصبحت هذه الأطعمة مألوفة، خصوصًا في القاهرة والإسكندرية.

كانت البداية من حي السادس من أكتوبر الذي يعرف بين المصريين بـ"دمشق الصغرى"، حيث يعيش آلاف السوريين الذين اندمجوا مع المصريين وأسسوا مشروعات متنوعة.

أحمد راتب، سوري وصاحب مطعم صغير في الحي، يقول: "عندما بدأت المشروع كنت أريد أن أوفر للسوريين الطعام الذي يحبونه، ولم أكن أتوقع هذا الإقبال الكبير من المصريين، الذين شجعوني على الاستمرار". يضيف أحمد: "النكهة السورية لا تفقد هويتها، لكنها قادرة على أن تتأقلم وتتغير وتحتضن الأذواق المحلية".

لم يعد المطبخ السوري اليوم حكرًا على السوريين، بل أصبح جزءًا من الحياة الاجتماعية الخاصة بالمصريين

ورغم أن "الفلافل" من الأكلات الشعبية المعروفة في مصر، تسمى "الطعمية"، فإن "الفلافل" السورية – المعتمدة على الحمص بدلًا من الفول - فتحت بابًا لاكتشاف جديد، كذلك يتميز الكباب الشامي بـ "تتبيلات" خاصةً، تعتمد غالبًا على الزبادي والبهارات المتنوعة، ما يمنحه نكهة مختلفة. 

ولكن الانطلاقة الأهم للطعام السوري في مصر كانت من "الشاورما" التي اشتهر بها السوريون هنا، وأضافوا طرقًا جديدة لتحضيرها لم تكن معروفة سابقًا في بلادهم، فظهرت "فتة الشاورما" و"الماريا" لترضي ذائقة المصريين.

المحلات السورية: مصافحة ثقافية عبر الطعام

في شوارع مصر المختلفة، باتت المحلات السورية من المعالم المألوفة. ومن مطاعم بسيطة في الأحياء الشعبية إلى مشاريع فاخرة في المراكز التجارية، وجد السوريون في الطعام وسيلتهم الأولى للتواصل مع المجتمع المضيف.

هبة مسعد سورية تقوم بصنع الطعام في المنزل وتبيعه عبر الانترنت، تقول: "بعد أن أرسلت أطباقًا من طعامنا التقليدي إلى جيراني، لاقى إعجابهم ونصحوني أن أفتح مشروعًا صغيرًا، يكون عبارة عن أكلات سورية شعبية ثم أقوم بتسويقها عبر الإنترنت".

تضيف هبة: "توطدت علاقتي بجيراني، ودائمًا ما نتبادل الطعام في المناسبات والأعياد ونتعلم طرق طهو أنواع مختلفة من الطعام سويًا".

وتميز السوريون في مصر ببشاشة الوجه والكلام المنمق ومحاولة إرضاء الزبون، ما جعلهم مقبولين ومحبوبين في المجتمع المضيف، حيث يستقبلون الزبون بعبارات لطيفة وابتسامة ويسعون لإسعاده، الأمر الذي صنع لهم شهرة واسعة.

منافسة المطاعم العالمية 

تزايد الإقبال على المطاعم السورية بعد أن بدأت مقاطعة المطاعم العالمية على إثر الحرب على غزة، ما جعل المصريين يتجهون للمطاعم العربية والمحلية، وتأتي المطاعم السورية في مقدمتها، ويقدم أغلبها أصنافًا مشابهة للعالمية، منها "البرغر" و"البروستد" والسلطات، بالإضافة إلى "الشاورما السورية" التي لاقت رواجًا في مصر، إضافة إلى المزيد من الأصناف التي وضع السوريون بصمتهم عليها.

ومن ناحية أخرى، تميزت المطاعم السورية في مصر بنظافتها، وحفاظها على الجودة والنكهات الخاصة بها، بالإضافة إلى أسعارها التي تعتبر منخفضة بالنسبة للمطاعم العالمية التي يقصدها المصريون، ما جعلها وجهة جديدة للشباب والعائلات.

كريم عبدو، مصري، يقول لـ"الترا سوريا": "سابقًا كنت أطلب الطعام أنا وأصدقائي من المطاعم العالمية، لكن منذ أن جاء الطعام السوري إلى مصر بات هو المفضل لدينا، فأسعاره مناسبة لأوضاعنا الاقتصادية، والكميات مشبعة، وعندهم تنوع كبير بالأصناف".

وساهمت المطاعم السورية في تغيير مفهوم الوجبات السريعة في مصر، فبعد أن كانت تقتصر على أيام الإجازات والمشاوير العائلية، صار لها اليوم صورة جديدة في ذهن الزبون، حيث يمكن أن تكون الوجبة تسلية في منتصف الليل، أو على شكل "سندويشة" يأكلها من يرغب أثناء شراء احتياجات المنزل، وكذلك صارت الوجبة السريعة "مشبعة" وبأسعار معقولة.

رنا محسن، مصرية، تقول: "إن المطاعم السورية تقدم كميات وأنواعًا مختلفة من المقبلات مع الوجبات ما يجعلها مشبعة ومرضية للزبون، مثل الرز، والبطاطس، والخبز المحمص، كما أن الطعام السوري مناسب للعائلات لأنه معروف بالنظافة".

تأثير على المجتمع المصري

لم يعد المطبخ السوري اليوم حكرًا على السوريين، بل أصبح جزءًا من الحياة الاجتماعية الخاصة بالمصريين، حيث تمتلئ المطاعم بهم، وتنتشر الأطباق السورية على موائدهم، في رمضان والمناسبات الخاصة وحتى في الأوقات العادية.

وبات طعام الإفطار السوري، (الحواضر مثل الألبان والأجبان والمخللات)، من الأطباق المميزة عند المصريين، الذين يتناولونها بالتبادل مع الفول والطعمية والأجبان المصرية.

كما أحبت المصريات الأطباق التقليدية السورية التي صارت جزءًا من مطابخهن، إضافة إلى الأطباق المصرية الشهية.

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، تنتشر وصفات بلهجة سورية محببة، وتحظى بمتابعة الجمهور المصري، خصوصًا من النساء اللواتي وجدن في المطبخ السوري مصدر إلهام جديد.

حياة بدر، مصرية، تقول: "لم أكن أعرف من الأكل السوري سوى الشاورما والدجاج المقلي، أما اليوم فأعد في بيتي المجدرة، وأكلات اللبن، والكبة، ولقد أحبت عائلتي النكهة وباتوا يطلبون أكلًا سوريًا دائمًا".

لقد نجح المطبخ السوري في أن يتحول إلى مايشبه لغة شائعة في مصر، لغة لا تحتاج إلى ترجمة، وقادرة على خلق الألفة وفتح قنوات للتواصل الإنساني والثقافي، عبر النكهات والروائح.