مجتمع واقتصاد

اللاجئون السوريون.. عقبات في طريق العودة

17 فبراير 2025
اللاجئون السوريون
تُعتبر مسألة إعادة الإعمار نقطة مركزية قضية عودة اللاجئين السوريين (Getty)
جود الهبو
جود الهبوصحافية سورية

سقط نظام الأسد بعد 13 عامًا من الثورة، وذلك فجر الثامن من كانون الأول/ديسمبر عام 2024، وما هي أيام حتى عنونت صحيفة "لاكروا" الفرنسية أن اللاجئين السوريين بدأوا بالعودة لبلادهم سريعًا من شتى أنحاء العالم؛ والحقيقة أن "لاكروا" نقلت ما يحدث في الواقع، حيث تهافت السوريون حول العالم للبحث عن طريقة للوصول لسوريا وذلك بعد سنواتٍ من الحرمان والمنع ومع اقترابهم من فقدان الأمل بالعودة.

ومن كلمة العودة ننطلق في هذا التقرير لنتحدث عن المصاعب التي قد يواجهها السوريون عند العودة، خصوصًا أنه، وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن 6.2 مليون لاجئ سوري مسجل لديها وهذا الرقم يُقارب ثلث سكان سوريا، ثلاثة أرباع هؤلاء يعيشون في دول الجوار وأغلبهم مستعد للعودة فور توفر المناخ المناسب، ولكن السؤال: ماذا يفصل السوريين عن بلدهم؟! 

ظروف اقتصادية معقدة 

اقتصاديًا تبدو العودة لسوريا معقدة للغاية بالنسبة لمن هم بالخارج، ما يُقارب النصف من 6.2 مليون لاجئ سوري يعيشون على قوتهم اليومي خصوصًا في دول الجوار مثل تركيا والأردن ولبنان؛ والعودة لسوريا تبدو مكلفة للغاية على سبيل المثال تكلفة الانتقال جوًا من إسطنبول إلى دمشق تصل للشخص الواحد لما يُقارب 157 دولار أميركي، ما يعني أن عائلة من 4 أشخاص يلزمها أكثر من 600 دولار للعودة فقط دون احتساب التكاليف الجانبية، كما يملك الكثير من السوريين مخاوف كبيرة من طريقة الحصول على عملٍ يمكّنهم من العيش في سوريا، فالغالبية منهم يعيش من عمله اليومي في دول اللجوء لكن في سوريا لا يوجد ما يكفي من فرص العمل في الوقت الحالي لاستيعاب تلك الأعداد. وفي الوقت ذاته، يملك البعض منهم مخاوف من إطلاق أعمالهم الخاصة، خصوصًا أن الكثيرين يملكون مبالغ محدودة وصغيرة، وفي حال فشل تلك المشاريع فسيكونون أمام معضلة اقتصادية معقدة. يُضاف إلى ذلك أن تلك العائلة العائدة لن تجد، على الأغلب، بيتًا يمكنها العيش فيه والسبب أن غالبية اللاجئين خرجوا من منازلهم بعد قصفها من قِبل النظام السابق.

مسألة إعادة الإعمار تُعتبر نقطة مركزية كما يصف الكثير من المراقبين في قضية عودة اللاجئين السوريين

ففي مدنٍ مثل حلب ودير الزور تصل نسبة الدمار لأكثر من 50% من منازل المدينة. وتعليقًا على ذلك يقول اللاجئ السوري في تركيا، مضر المنفي، أن غياب البنية التحتية في مدينته دير الزور يدفعه للتفكير جليًا قبل اتخاذه قرار العودة لسوريا خصوصًا في ظل الدمار الواسع وضبابية المشهد الاقتصادي للبلاد. 

مجتمعات مفككة ومخاوف اندماج 

الاقتصاد ليس وحده العائق أمام عودة اللاجئين السوريين من الخارج وإنما القلق من المجتمع والاندماج، تفكك المجتمعات داخل المدن والأحياء وحتى القرى والبلدات على مدار الـ14 عامًا الماضية يجعل من فكرة عودة الجميع لما كانوا عليه قبل تلك المدة مسألة معقدة. الكثير من اللاجئين عاشوا لسنوات في مجتمعات لا تشبه مجتمعاتهم الأم أبدًا خصوصًا في أوروبا، الأمر الذي يجعل من اندماجهم بمدنهم ومجتمعاتهم الأم مسألة صعبة، وذلك في ظل الظروف الحالية مثل غياب البنية التحتية من ناحية الخدمات والتعليم إذ أن الكثير من المدارس في مختلف المدن السورية تعرضت للقصف والتدمير والبعض الآخر تم نهبه بالكامل وبات غير صالح للاستخدام، وحتى القطاع الصحي يشهد واقعًا مأساويًا حيث أهمله النظام السابق بشكل كلي وبعد سقوطه تكشّف فساد إداري وطبي بداخله بشكل كبير ما يعني أنه بحاجة إلى إعادة بناء من جديد.

كما تضررت الشبكة الكهربائية بشكل عام ولا يوجد ما يكفي من الكهرباء لتعمل على مدار الساعة في مختلف أنحاء البلاد؛ وهذا القطاع يُعتبر عصب الحياة معيشيًا وصناعيًا، يُضاف لذلك خدمة الإنترنت التي لا تزال تعمل ببطء داخل سوريا وذلك لسببين: الأول هو منع النظام السابق من إدخال أي تقنيات جديدة مثل أبراج الـ5G والألياف الضوئية، والثاني هو وجود عقبة أمام تحسين هذا القطاع وهو العقوبات المفروضة على سوريا حتى الآن. بالإضافة إلى الحياة الاجتماعية التي باتت أقل نشاطًا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، حيث تقول الأمم المتحدة أن 90% من الشعب السوري داخل سوريا هو تحت خط الفقر ويحتاج للمساعدة العاجلة.

في المقابل، هناك ملايين السوريين، رغم مشقة اللجوء وصعوبة بعض التفاصيل، لكنهم عاشوا حياة مختلفة في الخارج. وتعليقًا على ذلك، التقينا علي منديل، وهو لاجئ سوري في تركيا، وهو يشرح بعض المخاوف التي يفكر بها قبل عودته لسوريا حيث يقول: "هناك فجوة واضحة في المجتمع بين السكان الذين بقوا في مناطق سيطرة النظام والسوريين في الخارج، حيث تعمّد النظام السابق تغييب هؤلاء السكان عن العالم المتطور بشكل عام".

وينقل لنا سعد ياغي، صحفي ولاجئ سوري في ألمانيا، رأيه بالعودة بشكل صريح إذ يقول: "الكثير من الصعوبات قد تواجهني وزوجتي وغالبية السوريين في المنفى في حال قررنا العودة إلى سوريا. على سبيلِ المثال، لا توجد هناك بنية تحتية خدمية قد تساعدنا على اتخاذ هذه الخطوة. قرار العودة لا يتعلق فقط بتحرير سوريا بالنسبة لي؛ فإن شرق سوريا ما زال مهددًا من بعض الميليشيات".

اللاجئون السوريون

ويُضيف ياغي بُعدًا آخرًا حول صعوبة العودة في ظل الدمار الواسع بمدينته إذ يقول: "مدينتي دير الزور مدمرة بشكل كامل تقريبًا، مما يمنعني من العودة والاستقرار، حتى بالنسبة للحكومة الجديدة فإن الوضع غير مستقر وهو ما يثير قلقي؛ وعدم محاسبة المجرمين علامة استفهام قد ينتج عنها الكثير من التساؤلات والاحتمالات، لذلك فإن مصير العودة بالنسبة لي ولكثير من السوريين يتعلق بمستقبل سوريا وشكل الحكومة؛ ما نلمسه حتى اليوم قد يكون إيجابيًا، لكن الحكم عليه ما زال مبكرًا".

ومن جانب عملي وواقعي بالنسبة للكثيرين فإن إعادة التأسيس لحياة جديدة بكل معنى الكلمة داخل سوريا تمثل تحديًا حقيقيًا لهم ويقول ياغي عن ذلك: "بالإضافة إلى ذلك، أغلب السوريين في المنفى، وأنا أُجيب نيابة عنهم ومن ضمنهم زوجتي وأنا، كل شخص وفقًا لعمله وظروفه والتزاماته، بالطبع سقوط النظام أثلج قلوب الجميع، لكنه لم يكن متوقعًا، فمن أسس حياته في المنفى ليس من السهل أن يتركها بين ليلة وضحاها ويعود! ربما الطاقات هنا لم تتخرج بعد أو لم تكتسب الخبرة الكافية، أو حتى لم تنضج تجربتها بما يتناسب مع المرحلة الراهنة، وهناك أيضًا شريحة من الجالية السورية وجودها هنا في ألمانيا خاصة وأوروبا عمومًا أهم من عودتها." 

حقوق منهوبة وأمل بالعدالة 

مسألة إعادة الإعمار تُعتبر نقطة مركزية كما يصف الكثير من المراقبين في قضية عودة اللاجئين السوريين بشكل مؤكد، السبب دمار نسبة كبيرة من البيوت بفعل القصف العنيف بشتى أنواع الأسلحة فعلى سبيل المثال مدينة مثل مدينة دير الزور يصل فيها حجم الدمار لنسبة تفوق الـ 70%. أما بالنسبة لمدينة حمص وسط سوريا فنسبة الدمار فيها يتخطى الـ 40% وذات الأمر ينطبق على حلب قلب سوريا التجاري، لكن معضلة أخرى تعقد عملية عودة اللاجئين وتزيد من مخاوفهم وهي البيوت المنهوبة.. آلاف المنازل استولى عليها النظام السابق ومنحها لعناصر من ميليشياته أو أحد الموالين له وذلك في مختلف المدن السورية وبعض المنازل استولت عليها الميليشيات الإيرانية وأقامت فيها مقرات عسكرية، وعقب هروبها سيطرت عليها فصائل المعارضة المسلحة لأنها لا تعرف في الواقع لمن يعود هذا المنزل وهنا تظهر معضلة إثبات الملكية خصوصًا في ظل غياب دور مؤسسات الدولة مثل السجل العقاري مع وجود مخاوف من قيام النظام السابق بتزوير ذلك السجل بالأصل. 

اللاجئون السوريون

بيان المالح، لاجئة سورية في تركيا، روت لنا قصة عائلتها حول المشكلة ذاتها إذ تقول: "لدي مخاوف كبيرة من العودة لسوريا في الوقت الحالي والسبب أننا لا نملك سكنًا لنعيش فيه. زوجي يملك منزلًا في مدينة حمص لكنه اليوم لا يُعتبر منزلنا! والسبب أن أحد الموالين للنظام السابق كان قد استولى عليه وزوّر أوراقًا تُثبت ملكيته للمنزل وحتى اليوم لا نعرف الطريقة لاستعادة المنزل خصوصًا أنه لم تصدر أيّة قوانين أو إجراءات واضحة لحل مثل تلك المشاكل".

مصاعب وتحديات معقدة تقف في طريق عودة السوريين لبلدهم بعد سنوات طويلة من الغربة القسرية التي فرضها عليهم نظام الأسد. في الحقيقة تبدو تلك المصاعب والتحديات بحاجة إلى منظومة دولة قوية تستطيع معالجتها بدقة ودون أن تؤدي لهجرة عكسية وتغيير ديمغرافي في البلاد ككل، لكن مع ذلك يبدو الأمل في سوريا واضحًا لدى الجميع بأن الأيام والأشهر القادمة ستحمل المزيد من الانفراجات التي ستساعد على عودة أكبر قدر ممكن من السوريين، والتي تبدأ بحل المشاكل تباعًا اقتصاديًا واجتماعيًا ومدنيًا وحينها تعود الحياة من جديد لسوريا وسكانها المهجرين.

الكلمات المفتاحية

شبان يقودون دراجات نارية في درعا

الدراجات النارية تزعج أهالي درعا وتهدد حياة أطفالهم

لم تعد هذه الظاهرة سلوكًا فرديًا طائشًا بل تصاعدت مع تجول مئات الشبان على دراجاتهم دون أدنى مسؤولية أو مراعاة لسلامة الأهالي


عنصر من الأمن العام

فوضى وضحايا كل يوم.. تداعيات انتشار السلاح في سوريا

لم يقتصر استخدام السلاح وإطلاق الرصاص العشوائي على المدن والقرى السورية وإنما ترك أثره الأخطر في المخيمات


انقطاع الاتصالات

شمال شرق سوريا.. استمرار انقطاع الاتصالات وسط صمت رسمي

تجاوز انقطاع خدمات الاتصالات الخلوية في شمال شرق سوريا شهره الثاني، وسط غياب أي توضيح رسمي


الدمار في الشمال السوري

من الأنقاض إلى الأمل.. مشروع إعادة تدوير الركام في الشمال السوري

في شمال سوريا، حيث خلّفت الحرب دمارًا هائلًا في البنية التحتية والمجتمعات، انطلق مشروع مبتكر لإعادة تدوير الركام،

ترامب روبيو
أخبار

من بينها سوريا.. مذكرة أميركية تمهّد لتوسيع حظر السفر

تعتزم الولايات المتحدة توسيع نطاق قيود السفر لتشمل مواطني 36 دولة إضافية، من بينها سوريا ومصر ودول آسيوية وإفريقية وكاريبية

الدمار في الشمال السوري
مجتمع واقتصاد

من الأنقاض إلى الأمل.. مشروع إعادة تدوير الركام في الشمال السوري

في شمال سوريا، حيث خلّفت الحرب دمارًا هائلًا في البنية التحتية والمجتمعات، انطلق مشروع مبتكر لإعادة تدوير الركام،


وزارة الشباب والرياضة
منوعات

احتفالية رسمية لتكريم الرياضيين السوريين بعد إنجازات دولية لافتة

كرّمت وزارة الرياضة والشباب 24 بطلًا سوريًا حققوا إنجازات دولية منذ مطلع العام

حصاد القمح في الرقة
أخبار

البحوث الزراعية: 24 صنفًا جديدًا من القمح في سوريا وسلالات مقاومة للجفاف والملوحة

تواصل الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية جهودها لتعزيز إنتاج القمح واستنباط أصناف تتحمل الظروف المناخية الصعبة

الأكثر قراءة

1
مجتمع واقتصاد

الدراجات النارية تزعج أهالي درعا وتهدد حياة أطفالهم


2
مجتمع واقتصاد

فوضى وضحايا كل يوم.. تداعيات انتشار السلاح في سوريا


3
أخبار

15 قتيلاً في 13 عملية اغتيال خلال أسبوعين في درعا


4
منوعات

سيدات ورجال الوحدة إلى النهائي.. ومواجهتان فاصلتان لأهلي حلب في دوري السلة


5
أخبار

اعتقالات ومصادرة أسلحة خلال حملة أمنية ضد فلول النظام السابق والمهربين في دير الزور


advert