بريطانيا وفرنسا في الملف السوري.. توافق في الأهداف وتباين في السياسات

تشير التقديرات السياسية إلى أن دور كل من بريطانيا وفرنسا في سوريا شهد تناميًا كبيرًا، خاصةً بعد إجراءات أحادية اتخذتها بريطانيا برفع العقوبات عن وزارتي الدفاع والداخلية، وأجهزة الاستخبارات، وكيانات مالية ومصرفية سورية، فيما سعت فرنسا لتوحيد الصفوف الكردية عبر "الكونفراس الكردي"، مع توقيع اتفاقات شراكات اقتصادية، ثم استقبلت الرئيس الشرع في باريس، لتأتي بعدها دعوة من رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر للرئيس السوري لزيارة لندن.

فهل نحن أمام توافق بين باريس ولندن في الملف السوري، أم  ثمة تجاذب من نوع ما قد يصل إلى حد التنافس؟

تباين استراتيجي

يعتقد مدير البحوث في "مركز عمران للدراسات الاستراتيجية"، معن طلّاع، بوجود توافق بين كل من فرنسا وبريطانيا في السياسات العامة تجاه سوريا، مع الاختلاف في الاستراتيجية المعتمدة بين البلدين، إذ فتحت باريس أبوابها كأول دولة أوروبية استقبلت الرئيس الشرع، ولديها طموح كبير في دعم حكومة دمشق ودفعها إلى "العقلانية" في التعاطي مع ملفات الإقليم لا سيما حزب الاتحاد الديمقراطي (PDY) حليف فرنسا الاستراتيجي، بينما تقوم السياسة البريطانية على إجراءات نوعية مباشرة عبر رفعها العقوبات، وآخرها شملت أكثر من 22 كيانًا على رأسها مصرف سوريا المركزي، لافتًا إلى أن هاتين النقطتين تشكلان عامل تدافع أكثر مما هو عامل تنافس.

وفي الدور البريطاني يعتقد المحامي ابراهيم شاهين أن لبريطانيا دور مؤثر في السياسة السورية، لا سيما أن لديها ممثلًا خاصًا ومسؤولًا عن الملف السوري في الخارجية البريطانية، كذلك ساهمت في إلزام المجتمع الدولي بالعقوبات التي فُرضت على النظام السابق، وعليه تشكل دعوة الرئيس السوري لزيارة لندن استكمالًا للدور السياسي البريطاني في سورية.

تجاذب اقتصادي

بعتقد الأكاديمي والباحث في الشؤون السياسية، مروان حمي، أن ثمة منافسة بريطانية فرنسية محتملة تجاه إعادة الإعمار، تبلور ذلك من خلال الأدوار الفرنسية التاريخية في إعادة بناء البنية التحتية مثل الطاقة والنقل وتجديد اتفاقية إدارة ميناء اللاذقية عبر شركة "CMA CGM" الفرنسية، فيما تركز بريطانيا على دعم الاقتصاد عبر رفع بعض العقوبات لدعم الطاقة والبنية التحتية، ما يعكس منافسة على السوق السورية الناشئة. 

فيما يرى مدير البحوث في "مركز عمران" أن الاهتمام الفرنسي البريطاني في سوريا يقوم على الملفات الاستراتيجية، كالموانئ، الفوسفات، النفط واستخراجه، إضافة إلى خطوط توريد الغاز، وعليه تشكل المنطقة أهمية جيو اقتصادية بالنسبة لهاتين الدولتين، يساعد في ذلك الرغبة في التمدد الأوروبي على حساب الانحسار في الدور الروسي في سوريا واتجاهه نحو ليبيا.

وفي هذا الإطار ينوه المحامي شاهين إلى أن بريطانيا كانت من أولى الدول التي فكرت سريعًا في الاقتصاد السوري وبحثت مع رجال أعمال سوريين وبريطانيين من أصول سورية، في العمل على الاستثمار في قطاعات الطاقة والنقل.

رعاية الأقليات 

برزت قضية حماية الأقليات (المسيحيين، العلويين، الدروز، والكرد) كمجال جديد للتنافس، بحسب الباحث السياسي مروان حمي، والذي يرى أن فرنسا أبدت اهتمامًا بحماية حرية العبادة وحقوق الأقليات، مستفيدة من تاريخها كداعمة للمسيحيين في سوريا ولبنان. في المقابل، ركزت بريطانيا على تعزيز التنوع الثقافي والسياسي من خلال دعم المعارضة السورية التي تضم ممثلين عن الأقليات، لافتًا إلى أن التنافس يظهر في قضية تمثيل الكرد، حيث تدعم فرنسا الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا كجزء من رؤيتها للامركزية، بينما تعارض بريطانيا أي شكل من أشكال الحكم الذاتي أو الفيدرالي للكرد في سوريا، لكنها تسعى لتحقيق توازن بين دعم الكرد وتجنب الصدام مع تركيا، حليفتها في الناتو، ما يجعل موقفها أكثر حذرًا. 

يختلف مع ذلك المحامي "شاهين" والذي يرى أنه لا تنافس بين لندن وباريس في ملف حماية الأقليات والمكونات السورية، إلا أن بريطانيا ركزت على دعم المجتمع المدني السوري، خاصة المجالس المحلية السوريّة، وقدمت العون للعديد من المنظمات في هذا المجال.

أبعاد أمنية

يرى مدير البحوث في مركز عمران معن طلاع أن ثمة توافق فرنسي بريطاني في الملفات الأمنية خاصة المتعلقة بمكافحة تنظيم داعش، ضمن قوات التحالف، وتعد فرنسا، ضمن هذا التحالف، الداعم الأكبر لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، لافتًا إلى أن فرنسا معنية بالتواجد العسكري والنفوذ الأوروبي ضد النفوذ الروسي، خلافًا لبريطانيا التي خرجت من بوابة الاتحاد الأوروبي. 

فيما يعتقد الباحث حمي أن هذا التنافس محدود بسبب الهيمنة الروسية (قواعد حميميم وطرطوس) والتدخل التركي والأميركي، ما يجعل نفوذ فرنسا وبريطانيا تابعًا للتوازنات الإقليمية الكبرى.

وفي هذا الإطار يرى المحامي شاهين أن المخابرات البريطانية كانت تعمل بشكل دائم على تقييم الأوضاع في سوريا، وهي من الجهات الأولى التي رأت أن نظام الأسد وصل إلى نقطة الانهيار وذلك من خلال مواكبتها التطورات الأمنية في سوريا لحظة بلحظة.