مجتمع واقتصاد

سوريا بعد الأسد.. من يدفع 400 مليون دولار لإعادة الإعمار؟

17 فبراير 2025
قافلة مساعدات إنسانية لنحو 40 ألف شخص في تجمع الركبان المؤقت
قافلة مساعدات إنسانية (Getty)
وضاح عزام
وضاح عزامباحث ومدرب مسرح سوري

دخلت الأزمة الإنسانية في سوريا عقدها الثاني، لتصبح واحدة من أشد الكوارث تعقيدًا وتدميرًا في القرن الحادي والعشرين. فمنذ اندلاع الثورة عام 2011، خلفت الأزمة دمارًا واسعًا، وأجبرت الملايين على النزوح، تاركة أعدادًا هائلة في حاجة ماسة للمساعدة.

قبل عام 2011، كانت المساعدات الدولية ضئيلة، حيث لم تكن سوريا متلقية أساسية للمساعدات الإنسانية، غير أن قضايا أساسية مثل القمع السياسي، والتفاوت الاقتصادي، والجفاف.. غيرت الصورة ومهدت الطريق للاضطرابات في نهاية المطاف. 

تحولت الاحتجاجات في عام 2011، والتي طالبت في البداية بالإصلاح السياسي، بسرعة إلى حرب طاحنة شنها النظام على شعبه الأعزل. وبحلول عام 2012، اشتد الصراع، وجذب العديد من الجهات الفاعلة الدولية وأدى إلى تفتيت البلاد. تدهور الوضع الإنساني بسرعة مع تدمير البنية التحتية، وانهيار أنظمة الرعاية الصحية، وأصبحت الخدمات الأساسية غير متاحة. وبحلول عام 2013، قُتل أكثر من 100000 شخص، ونزح الملايين. بدأ المجتمع الدولي في حشد المساعدات لمعالجة الأزمة المتنامية.

السنوات الأولى (2012-2015)

في السنوات الأولى من الصراع، ركزت جهود المساعدات الإنسانية على معالجة الاحتياجات الفورية. أطلقت الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية نداءات واسعة النطاق لتوفير الغذاء والمأوى والرعاية الطبية للسكان المتضررين. وبحلول عام 2013، سعت خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا إلى جمع 1.4 مليار دولار لمساعدة 6.8 مليون شخص. وعلى الرغم من هذه الجهود، فإن تسليم المساعدات كان غالبًا ما يعوقه ديناميكيات الصراع والحصار والعقبات البيروقراطية. وبحلول عام 2015، احتاج أكثر من 12 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، مع 7.6 مليون نازح داخليًا و4 ملايين لاجئ يبحثون عن الأمان في البلدان المجاورة.

ما بعد 2015: الأزمة المتفاقمة

وبحلول عام 2016، قدرت الأمم المتحدة أن 13.5 مليون شخص في سوريا يحتاجون إلى المساعدة، بما في ذلك 6 ملايين طفل. وكان سقوط المدن الرئيسية مثل حلب في أواخر عام 2016 بمثابة نقطة تحول، مع مستويات غير مسبوقة من الدمار والنزوح. وأصبحت عمليات تسليم المساعدات أكثر صعوبة بسبب الأعمال العدائية المستمرة والوصول المحدود. وعلى الرغم من هذه العقبات، ساهم المانحون الدوليون بأكثر من 3.2 مليار دولار في عام 2016 لدعم الجهود الإنسانية، التي تغطي قطاعات مثل الصحة والتعليم والأمن الغذائي.

تقدر الخسائر الاقتصادية التراكمية الناجمة عن الصراع بأكثر من 226 مليار دولار بحلول نهاية عام 2020

حتى عام 2023، ظلت سوريا مقسمة، حيث سيطر النظام على جزء كبير من البلاد، وسيطرت قوات المعارضة على أجزاء من الشمال الغربي، والقوات التي يقودها الأكراد حكمت الشمال الشرقي. وقد نمت الاحتياجات الإنسانية فقط. ووفقًا للأمم المتحدة، فإن أكثر من 15.3 مليون شخص - 70٪ من السكان – كانوا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وواجه 12 مليونًا انعدام الأمن الغذائي. لقد أدى الانهيار الاقتصادي، الذي تفاقم بسبب العقوبات وجائحة كوفيد-19، إلى تفاقم الأزمة. سعت خطة الاستجابة الإنسانية لسوريا لعام 2023 إلى جمع 5.4 مليار دولار لمساعدة 11.1 مليون شخص، لكن نقص التمويل لا يزال يشكل تحديًا كبيرًا.

المقاييس الرئيسية: قبل وبعد السقوط

- النزوح: يوجد اليوم أكثر من 6.7 مليون شخص نازح داخليًا، و5.5 مليون لاجئ في البلدان المجاورة، وخاصة تركيا، ولبنان والأردن.

- الأمن الغذائي: اعتبارًا من عام 2023، يعاني 12 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، مع تعرض 2.5 مليون شخص لخطر المجاعة.

- الرعاية الصحية: أصبح أكثر من نصف مرافق الرعاية الصحية في البلاد معطلة جزئيًا أو غير صالحة للعمل، كما أضاف تفشي الأمراض مثل الكوليرا إلى عبئا إضافيا.

- التعليم: هناك 2.4 مليون طفل خارج المدرسة، وقد تم تدمير العديد من المدارس أو إعادة استخدامها كملاجئ.

- تمويل المساعدات: في عام 2011، تلقت سوريا مساعدات دولية ضئيلة. وبحلول عام 2023، أصبحت البلاد واحدة من أكبر المتلقين للتمويل الإنساني، مع تخصيص مليارات الدولارات سنويًا لمعالجة الأزمة.

التعافي الاقتصادي والتنمية

لقد تسببت الحرب في سوريا في أضرار جسيمة للبنية التحتية للبلاد، والإسكان، والرعاية الصحية، والتعليم، والاقتصاد. ووفقًا للبنك الدولي، تقدر الخسائر الاقتصادية التراكمية الناجمة عن الصراع بأكثر من 226 مليار دولار بحلول نهاية عام 2020. وقد تضرر أو دمر أكثر من 50% من مخزون المساكن قبل الحرب، مما ترك ملايين السوريين بلا مأوى. كما تدهورت البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس وأنظمة إمدادات المياه، بشدة. على سبيل المثال، أكثر من 60% من مرافق الرعاية الصحية إما تعمل جزئيًا أو مدمرة تمامًا، مما يؤدي إلى تفاقم تحديات الصحة العامة.

كما دمر الصراع اقتصاد سوريا. فقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 60% منذ عام 2010، وارتفعت معدلات الفقر بشكل كبير، حيث يعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر اعتبارًا من عام 2023. كما أدى تدمير القطاعين الصناعي والزراعي إلى تعميق الصعوبات الاقتصادية، مما جعل البلاد تعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية.

المتطلبات المالية لإعادة الإعمار

تتطلب إعادة إعمار سوريا موارد مالية كبيرة. وتتراوح تقديرات تكلفة إعادة الإعمار من 250 مليار دولار إلى أكثر من 400 مليار دولار، اعتمادًا على نطاق وحجم جهود إعادة الإعمار. وتشمل هذه الأرقام إعادة بناء البنية التحتية المادية، واستعادة الخدمات الأساسية، والاستثمار في التعافي الاقتصادي. ومع ذلك، فإن تعبئة مثل هذه الموارد المالية الضخمة لا تزال تشكل تحديًا كبيرًا. فالاقتصاد السوري المعطل والعقوبات الدولية تجعل من الصعب جذب التمويل اللازم. وعلاوة على ذلك، فإن الافتقار إلى الاستقرار السياسي والمساءلة يثني المستثمرين الأجانب والدول المانحة عن الالتزام بمشاريع إعادة الإعمار واسعة النطاق.

آليات إعادة الإعمار المستدامة

1. الاستقرار السياسي والحوكمة:

لا يمكن لإعادة الإعمار أن تنجح بدون بيئة سياسية مستقرة. إن الحل السياسي الدائم للصراع، والحوكمة الشاملة، وآليات المساءلة أمر بالغ الأهمية. ويجب على المجتمع الدولي أن يدعم الجهود الرامية إلى تعزيز الحوار والمصالحة لخلق بيئة مواتية لإعادة البناء.

2. التعافي الاقتصادي وخلق فرص العمل:

يشكل الانتعاش الاقتصادي حجر الزاوية لإعادة الإعمار. والاستثمار في القطاعات الرئيسية مثل الزراعة والتصنيع والخدمات أمر ضروري لخلق فرص العمل والحد من الاعتماد على المساعدات. وسوف يكون التصدي للفساد، وتحسين مناخ الأعمال، وتوفير الوصول إلى الائتمان للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل.

3. المصالحة الاجتماعية والتنمية الشاملة:

لقد أدت الحرب إلى تعميق الانقسامات الاجتماعية وتهميش بعض الفئات. ويجب أن تعطي إعادة الإعمار الأولوية للمصالحة الاجتماعية، وضمان إدراج جميع المجتمعات، بما في ذلك اللاجئين والنازحين داخليًا، في عملية إعادة البناء. ويجب تنشيط أنظمة التعليم والرعاية الصحية لتلبية احتياجات السكان، وخاصة الأطفال والفئات الضعيفة.

4. إعادة تأهيل البنية التحتية والقدرة على الصمود:

يجب أن تتجاوز عملية إعادة بناء البنية التحتية الترميم لتشمل القدرة على الصمود والاستدامة. ويجب إعطاء الأولوية للمباني الحديثة المقاومة للزلازل، وأنظمة الطاقة المتجددة، وممارسات إدارة المياه الفعّالة لحماية سوريا في المستقبل من الكوارث الطبيعية وتغير المناخ.

5. الدعم والتنسيق الدولي:

يلعب المجتمع الدولي دورًا محوريًا في إعادة إعمار سوريا. وتعتبر الجهود المنسقة بين الدول المانحة والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية ضرورية لتعبئة الموارد وضمان التخصيص الفعّال. ومع ذلك، يجب أن يكون الدعم الدولي مشروطًا بالشفافية والمساءلة والالتزام بمبادئ حقوق الإنسان.

تتراوح تقديرات تكلفة إعادة الإعمار من 250 مليار دولار إلى أكثر من 400 مليار دولار، اعتمادًا على نطاق وحجم جهود إعادة الإعمار

التحديات والمخاطر

على الرغم من الحاجة الملحة، فإن العديد من التحديات تعقد عملية إعادة إعمار سوريا. فالتشرذم السياسي، والعقوبات المستمرة، وإحجام بعض البلدان عن التعامل مع الحكومة الحالية تشكل عقبات كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، تتطلب عودة ملايين اللاجئين والنازحين داخليًا تخطيطًا دقيقًا لتجنب المزيد من الضغوط على الموارد والتوترات الاجتماعية. كما يهدد الفساد والمؤسسات الضعيفة بتقويض جهود إعادة الإعمار ما لم يتم معالجتها بشكل فعال.

في الخلاصة

إن سقوط الأسد يمثل لحظة محورية في تاريخ سوريا. 

ولن تكون عملية تحويل سوريا إلى منارة للتعافي والسلام مهمة سهلة، ولكنها قابلة للتحقيق من خلال المساعدات الدولية القوية والتركيز الاستراتيجي على إعادة الإعمار. إن معالجة الاحتياجات الإنسانية، وإعادة بناء البنية الأساسية، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، وإرساء الوحدة السياسية، تشكل خطوات أساسية لإعادة ميلاد سوريا. ويتعين على العالم أن ينتهز هذه الفرصة لدعم سوريا، ليس فقط كضرورة أخلاقية ولكن كوسيلة للمساهمة في السلام والأمن العالميين.

الكلمات المفتاحية

باخرة محملة بالفوسفات في مرفأ طرطوس

خطط لرفع الإنتاج والتصدير.. الفوسفات السوري يعود إلى واجهة الاستثمار

تعود اليوم صادرات الفوسفات السوري إلى الواجهة ضمن خطط استثمارية جديدة تهدف إلى مضاعفة الإنتاج وتنشيط التصدير


شبان يقودون دراجات نارية في درعا

الدراجات النارية تزعج أهالي درعا وتهدد حياة أطفالهم

لم تعد هذه الظاهرة سلوكًا فرديًا طائشًا بل تصاعدت مع تجول مئات الشبان على دراجاتهم دون أدنى مسؤولية أو مراعاة لسلامة الأهالي


انقطاع الاتصالات

شمال شرق سوريا.. استمرار انقطاع الاتصالات وسط صمت رسمي

تجاوز انقطاع خدمات الاتصالات الخلوية في شمال شرق سوريا شهره الثاني، وسط غياب أي توضيح رسمي


الدمار في الشمال السوري

من الأنقاض إلى الأمل.. مشروع إعادة تدوير الركام في الشمال السوري

في شمال سوريا، حيث خلّفت الحرب دمارًا هائلًا في البنية التحتية والمجتمعات، انطلق مشروع مبتكر لإعادة تدوير الركام،

ترامب روبيو
أخبار

من بينها سوريا.. مذكرة أميركية تمهّد لتوسيع حظر السفر

تعتزم الولايات المتحدة توسيع نطاق قيود السفر لتشمل مواطني 36 دولة إضافية، من بينها سوريا ومصر ودول آسيوية وإفريقية وكاريبية

الدمار في الشمال السوري
مجتمع واقتصاد

من الأنقاض إلى الأمل.. مشروع إعادة تدوير الركام في الشمال السوري

في شمال سوريا، حيث خلّفت الحرب دمارًا هائلًا في البنية التحتية والمجتمعات، انطلق مشروع مبتكر لإعادة تدوير الركام،


وزارة الشباب والرياضة
منوعات

احتفالية رسمية لتكريم الرياضيين السوريين بعد إنجازات دولية لافتة

كرّمت وزارة الرياضة والشباب 24 بطلًا سوريًا حققوا إنجازات دولية منذ مطلع العام

حصاد القمح في الرقة
أخبار

البحوث الزراعية: 24 صنفًا جديدًا من القمح في سوريا وسلالات مقاومة للجفاف والملوحة

تواصل الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية جهودها لتعزيز إنتاج القمح واستنباط أصناف تتحمل الظروف المناخية الصعبة

الأكثر قراءة

1
منوعات

هيئة الأوراق والأسواق المالية تحذّر من التداول بالعملات الرقمية


2
مجتمع واقتصاد

خطط لرفع الإنتاج والتصدير.. الفوسفات السوري يعود إلى واجهة الاستثمار


3
مجتمع واقتصاد

الدراجات النارية تزعج أهالي درعا وتهدد حياة أطفالهم


4
عدالة انتقالية

فوضى وضحايا كل يوم.. تداعيات انتشار السلاح في سوريا


5
أخبار

15 قتيلاً في 13 عملية اغتيال خلال أسبوعين في درعا


advert