صحفيون في أرض الخوف

مع بداية الثورة السورية عام 2011، أصبحت سوريا واحدة من أخطر الأماكن في العالم بالنسبة للصحفيين. مئات الصحفيين المحليين والدوليين خاطروا بحياتهم لتغطية الأحداث ونقل الحقائق إلى العالم. وبينما قدّم البعض حياتهم فداءً للكلمة الحرة، لا يزال العديد منهم في عداد المفقودين، محاطين بغموض مصيرهم الذي لا يزال مجهولًا حتى يومنا هذا.

كانت مهمة الصحفيين في سوريا محفوفة بالمخاطر منذ البداية. بين الاعتقالات، والاختفاء القسري، والقتل، تعرّض الصحفيون السوريون لأبشع الانتهاكات على يد مختلف الأطراف المتنازعة. حتى المنظمات الدولية التي كانت تسعى لحمايتهم لم تستطع تقديم الحماية الكافية في وجه العنف المتزايد.

تقول رابطة الصحفيين السوريين إن أكثر من 27 صحفيًا لا يزالون في عداد المفقودين. بعضهم اختفى بعد أن اعتقلتهم قوات النظام السوري، بينما فُقد آخرون في المناطق التي تسيطر عليها جماعات مسلحة مختلفة. هؤلاء الصحفيون كانوا يعملون بلا كلل لنقل الحقيقة، وأصبحوا ضحايا لمهنتهم في سبيل كلمة حرة.

العائلات والأصدقاء والمنظمات الصحفية الدولية لم تتوقف يومًا عن البحث والمناشدة للكشف عن مصير الصحفيين المفقودين. الجهود المستمرة للصليب الأحمر والمنظمات غير الحكومية تسعى جاهدة لتسليط الضوء على قضيتهم وتقديم العون لعائلاتهم. فالمأساة ليست فقط في فقدانهم، بل في العيش دون معرفة مصيرهم.

 بين الاعتقالات، والاختفاء القسري، والقتل، تعرّض الصحفيون السوريون لأبشع الانتهاكات على يد مختلف الأطراف المتنازعة

واحدة من أشهر القصص هي قصة الصحفي جهاد أسعد محمد. كان جهاد سكرتير تحرير جريدة "قاسيون"، واعتقلته قوات الأمن السورية في دمشق عام 2013. منذ ذلك الحين، لم يُعرف عنه أي شيء، ولا يزال مصيره مجهولًا. مثله مثل العديد من الصحفيين الآخرين، يُعتبر جهاد رمزًا للمعاناة وللكفاح من أجل الحقيقة.

أوستن تايس، الصحفي الأميركي الذي اختفى في سوريا عام 2012، كان يقوم بتغطية الأحداث أثناء الثورة السورية. حتى اليوم، لا يزال مصيره مجهولًا، مع عدم وجود معلومات مؤكدة حول مكان وجوده أو حالته الصحية. قضى تايس سنوات في البحث عن الحقائق ونقلها إلى العالم، ليصبح واحدًا من الرموز للصحفيين الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الحقيقة.

في عام 2013، كانت سمر صالح في تركيا مع شريكها “محمد العمر”، كان ناشطًا إعلاميًا، وداعمًا للثورة ومن شباب الجبهات الأولى في الحراك، كان يقوم بتقديم تدريبات في مجال الإعلام لناشطين في الداخل السوري، أحد ورشاته كانت في مدينة أتارب والتي بدأت "داعش" تنشط فيها.

أصر محمد على الدخول الى سوريا وإجراء التدريب فيها، سمر بدورها لم تكن موافقة على هذه الرحلة، كان كلاهما يشعر بمخاطر القدوم إلى سوريا، وخاصة بعد التعرض للتهديد مرات عديدة. إصرار محمد على تحدي الخطر زاد من إصرار سمر على مرافقته، كانت تعتقد بأنها قادرة على حمايته كونها ابنة مدينة الأتارب، ولها معارف وأقارب يمكنهم التدخل لحمايتهما.

في البداية، لم يعرف أهل سمر ومحمد ولا أصدقائهما من الجهة التي قامت باختطافهما، إلا أن "داعش" قامت باستخدام حساباتهما الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، وقامت بالتواصل مع عائلتيهما وأصدقائهما واعترفت بأن سمر ومحمد موجودان لديها، مهددةً العائلة والأصدقاء بمصير مشابه.

يبقى نداء الحرية والعدالة مرفوعًا في وجه الظلم والقهر. ستظل قضية الصحفيين المفقودين في سوريا وصمة عار في جبين منتهكي حقوق الإنسان، وتذكيرًا دائمًا بضرورة العمل المستمر لكشف الحقيقة وإعادة الحقوق إلى أصحابها. لكل صحفي مختفٍ، هناك عائلة تنتظر، وجمهور يتطلع لمعرفة الحقيقة، وعالم لا ينسى تضحياته.