عن أمل معلّق وفوضى لم تنتهِ
15 مايو 2025
استبشر السوريون خيرًا بالطريقة التي دخلت بها قوات "ردع العدوان" إلى المدن السورية، بما فيها دمشق، في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي، واحتفوا بـ"محرريهم" الذين أنهوا حكم عائلة الأسد الذي جثم على صدورهم لنحو نصف قرن، مارس خلاله أبشع أنواع الظلم والقهر، وتوّجه بتدمير المدن والقرى السورية بالبراميل المتفجرة، وقتل الآلاف لقمع الثورة التي استمرت 14 عامًا وأطاحت به في النهاية.
بعد كل هذا الزمن الطويل من المآسي، يحق للسوريين أن يأملوا بالسلام، ويطمئنوا على حاضرهم ومستقبلهم، والأهم من ذلك أن يتحرروا من الخوف الذي اتخذه النظام السابق استراتيجية لإخضاع الناس ومنعهم من التفكير، لا الكلام فقط.
ويدرك السوريون حاجتهم إلى دعم شامل في مختلف المجالات وقطاعات، كي يتمكنوا من النهوض الذي سيكون مكلفاً حتماً. ومع ذلك، فهم مستعدون لخوضه، ويطلبون دعم العالم والوقوف إلى جانبهم بلا تردد.
التحديات كثيرة وتتزاحم على مركز الأولوية، ولا تُحسد الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع على ما هو ينتظرها، إذ إن الإرث متراكم وكبير، ويحتاج إلى المال والوقت. أما الدولة التي خلّفها الرئيس المخلوع بشار الأسد، فهي مفلسة تماماً.
لذلك، يعقد السوريون آمالاً جدية على الانفتاح العربي تجاه حكومتهم، وعلى دعمه لعودتها إلى المجتمع الدولي، متمنين من الأشقاء الانخراط بقوة في نجدة سوريا التي إن ضاعت، ستكون الخسارة على العرب، أنظمةً وشعوبًا، كما هي على السوريين.
أي محاولة من قبل الحكومة السورية لفصل النشاط الخارجي الذي تقوم به عما يجري في الداخل، ستؤدي إلى مزيد من الأزمات
وازدادت هذه الآمال بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا، بما يفتح الباب أمام إعادة الإعمار، التي تقدّر كلفتها بأكثر من 15 مليار دولار أميركي، ويوفر فرصة للمستثمرين العرب لدخول السوق السورية، بما ينعكس إيجاباً على الحياة المعيشية للسوريين بعد سنوات من الفقر والأزمات المتتالية.
لكن هذه الآمال لا تزال تواجه تحديات تهز ثقة الناس، خاصةً بعد الحوادث الأمنية التي شهدتها عدة مدن سورية، بدءاً بحملات الاعتقال التي تلتها اشتباكات بيت قوات الأمن العام وعناصر من فلول النظام السابق، واستغلال بعض الفصائل "غير المنضبطة"، وفق توصيف الحكومة للأوضاع، وممارسة انتهاكات بحق المدنيين، لا سيما بعد الأحداث التي عصفت بالساحل السوري على خلفية الهجمات التي قام بها عناصر من فلول النظام السابق على حواجز ومقرات للأمن العام.
إلى جانب الهجوم الذي شهدته في الأيام الأخيرة مناطق ذات أغلبية درزية، على خليفة تسجيل صوتي مسيء للرسول الكريم، تبين لاحقًا بحسب بيان لوزارة الداخلية أنه مفبرك ولا أساس له من الصحة، وقد صُنع بأيدي من يتربصون بالبلاد شراً.
وقد أثارت هذه الأحداث تساؤلات حول مدى قدرة الحكومة السورية الجديدة على التعاطي بجدية وحزم مع ما يجري في البلاد، ومدى تمكنها من فرض الأمن وقطع الطريق أمام الساعين إلى زعزعة الاستقرار.
في جانب آخر، وبينما تركّز دمشق على الملف الخارجي، أسهم النشاط الذي قامت به وزارة الخارجية السورية، بقيادة الوزير أسعد الشيباني، من خلال لقاءاته سواء منفرداً أو برفقة رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، مع عدد من قادة وزعماء الدول، في تسهيل إعادة بعض الدول علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق بعد انقطاع دام لعدة سنوات.
كما أتاح هذا الحراك للشيباني الوقوف على منبر الأمم المتحدة، والتحدث باسم بلاده مطالبًا برفع العقوبات. ولكن، في المقابل، يزداد الملف الداخلي تأزمًا وتوترًا، في مشهد لا يمكن فصله عن التدخلات الخارجية، ومحاولة بعض الدول وعلى رأسها إسرائيل، استغلال الأحداث والتدخل لتعزيز الفوضى في البلاد.
إن أي محاولة من قبل الحكومة السورية لفصل النشاط الخارجي الذي تقوم به عما يجري في الداخل، ستؤدي إلى مزيد من الأزمات، لا سيما أن سوريا ما زالت تحت المجهر الغربي والمراقبة الدولية، التي أكدت مرارًا أنها تنتظر الأفعال لا الأقوال من الحكومة الجديدة.
ويبدو أن بعض مكونات هذه الحكومة لم تتمكن بعد من الخروج من عقلية الفصائل، وهو ما سيعرقل أي محاولة لرفع العقوبات، في ظل الاشتراطات الأميركية المتعلقة بالمقاتلين الأجانب وحماية الأقليات، وهما ملفان قد لا تتمكن دمشق من تنفيذهما بسبب بعض الأصوات والممارسات التي تعرقل رغبة الحكومة السورية في الانفتاح على العالم. ولا يمكن تمرير منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب، أو إخضاع الأقليات بقوة السلاح، أمام مجتمع دولي ينتظر خطوات جدية وليس محاولات التفاف على الوقائع.
تقف سوريا اليوم على حافة الهاوية، ولا يفصلها عن الانزلاق إلى الفوضى الأهلية سوى "شعرة". فكل أسباب الفوضى باتت حاضرة، متوفرة، وجاهزة للانفجار - إن لم تكن قد انفجرت بالفعل. فالوضع الداخلي مفكك ومتشرذم، في ظل انتشار السلاح المنفلت والعناصر "غير المنضبطة"، وتدني قدرة الحكومة على التصدي لها، وسط مجتمع دولي يراقب كل تفصيل، وكل تحرك، وكل تصريح يصدر من دمشق؛ مراقبة لا يمكن فصلها عن التخوف من الخلفية الجهادية لـ"هيئة تحرير الشام" التي تسيطر على مفاصل الدولة.
تشكل تهديدات تنظيم داعش المتكررة، والبيان المنسوب إلى رامي مخلوف على خلفية أحداث الساحل السوري، وما يرتبط بها من حشود وتحركات عسكرية، إلى جانب مؤشرات فشل الاتفاق مع "قوات سوريا الديمقراطية"، الذي كان واضحًا أنه "اتفاق الضرورة"، فضلًا عما جرى مؤخرًا في ريف دمشق، كلها عوامل باتت تهدد السلم الأهلي في البلاد.
إن خطاب الأكثرية والأقلية، والتحريض الطائفي الذي يشوّه المجتمع السوري أكثر مما يساعده في تجاوز أزماته، يعيد البلاد اليوم إلى ما قبل فكرة الدولة، حيث تسود الغرائز والطوائف والمذاهب والعشائرية. وهو أمر يشي بخطر حقيقي من الوصول إلى لحظة قد تخرج فيها الأمور عن سيطرة الحكومة السورية وقدرتها على ضبط الأمن، في ظل الدعوات المتكررة للحماية الدولية هنا وهناك، أو مطالبات بالتقسيم أو الفيدرالية، دون أن يغيب عن الأذهان ما قد يرافق كل ذلك من عنف جديد وسفك لدماء السوريين التي لم تجف منذ أكثر من عقد.
ما زال شبح الفوضى الأهلية يخيّم على البلاد، على الرغم من وجود رغبة حقيقية لدى كثير من السوريين في إنقاذ وطنهم من دوامة العنف والدم، والحفاظ على ما تبقى من أمل ببناء سورية جديدة، واحدة وموحدة لكل أبنائها، رغم دعوات وخطابات التفرقة والانقسام. والكرة اليوم في ملعب الحكومة السورية والعقلاء من أبناء البلد: إما أن ننجح جميعًا في تجنيب البلاد كارثة تتربص بها، أو نعود إلى دائرة العنف مجددًا.
الكلمات المفتاحية

السباحة بشروط.. عن تحوّل الشواطئ إلى ساحات رقابة على الأجساد
ما يلفت في القرار هو تكرار الحديث عن "اللباس المناسب" و"السلوك الحضاري" و"الذوق العام"، دون أي توضيح لمن يضع هذه المعايير أو كيف تُفسَّر، ما يجعلها عرضة للتأويل الفضفاض

بين حلم العدالة ومقتضيات السلم الأهلي
هل ستُبنى سوريا على ذاكرة واضحة تعترف بالضحايا وتُقصي الجلادين؟ أم على تسويات تمهد لمراحل جديدة من التوتر والانقسام؟

الذات السورية الجديدة.. من الانكشاف إلى التكوين
لم يعد المكان في التجربة السورية سياقًا ثابتًا للعيش، فقد بات جسدًا مشتركًا للتصدع والحنين والارتياب

من بينها سوريا.. مذكرة أميركية تمهّد لتوسيع حظر السفر
تعتزم الولايات المتحدة توسيع نطاق قيود السفر لتشمل مواطني 36 دولة إضافية، من بينها سوريا ومصر ودول آسيوية وإفريقية وكاريبية

من الأنقاض إلى الأمل.. مشروع إعادة تدوير الركام في الشمال السوري
في شمال سوريا، حيث خلّفت الحرب دمارًا هائلًا في البنية التحتية والمجتمعات، انطلق مشروع مبتكر لإعادة تدوير الركام،

احتفالية رسمية لتكريم الرياضيين السوريين بعد إنجازات دولية لافتة
كرّمت وزارة الرياضة والشباب 24 بطلًا سوريًا حققوا إنجازات دولية منذ مطلع العام

البحوث الزراعية: 24 صنفًا جديدًا من القمح في سوريا وسلالات مقاومة للجفاف والملوحة
تواصل الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية جهودها لتعزيز إنتاج القمح واستنباط أصناف تتحمل الظروف المناخية الصعبة