ثقافة وفنون

عودة الوثائقي السوري.. احتفاء تنقصه المكاشفة

17 فبراير 2025
عرض فيلم الابن السيئ
عرض فيلم الابن السيئ في دار الأوبرا (مواقع التواصل)
أحمد منصور إبراهيم
أحمد منصور إبراهيمكاتب فلسطيني سوري

ينتمي الفيلم الوثائقي السوري إلى الثورة، وليس القصد حصره بتمجيد الثورة، أو انتماء صناعه لها، بل التأكيد أن آلة البروباغندا الأسدية عملت خلال السنوات الثقيلة السابقة على إنتاج أفلام روائية، ركيكة المضمون، بأدوات خلف الكاميرا وأمامها، تتبنى كليا سردية النظام المخلوع، تُغازل جمهورا ومهرجانات خارج سوريا يعوزها الاتصال بالسياق، وتترصع بثيمات المرأة وحماية الأقليات، منحدرة لإنسانوية مفرطة تُغيب الفاعل - بأحسن أحوالها- وتتباكى على الوطن المدمر، فتبرز تهديدات الاقتتال في سوريا كأخطار محدقة بشخوصها؛ تهديداتٌ سقفها الخطف وقذائف الهاون، فيما كانت البراميل المتفجرة تدك البيوت في البقع السورية الثائرة، التفت هذه المنتجات دوما حول "حماة الديار" تنزيها وإجلالا، ووصلت ببعض الأفلام لإنكار هجمات الكيماوي واتهام الضحايا بتنفيذها.

للوثائقي إشكالياته بالتأكيد، ويمكن القول أن الجدل رافق كل وثائقي سوري إبان إتاحته للجمهور العام أو إشهاره ضمن عروض خاصة أو مهرجانات سينمائية، والسمة العامة لهذه المنجزات الفيلمية أنها عصية على الوصول من قبل الجمهور السوري، صعوبة الوصول هذه حاضرة في أفلام روائية تنتمي كذلك لمعسكر المعارضة، على قلتها، وصعوبات أولها قلة الكادر التمثيلي والمكان البديل الذي يخلخل شرط الإيهام.

تبدل هذا الحال مع سقوط النظام، وانهمرت العروض لأفلام وثائقية في مساحات مختلفة ضمن عدة محافظات، بقوس يمتد من مقار الحركات السياسية إلى الغاليريات الفنية مرورا بالتجمعات المدنية – يُستثنى من ذلك فيلم "الابن السيئ" لغطفان غنوم وهو الوحيد الذي عُرض جماهيريا في صالة سينمائية (دار الأوبرا) - مُهرت بعض هذه العروض بصفة أنها تتيح وثائقيات ممنوعة، تُعرض للمرة الأولى، وهي كذلك. وليس من الممكن بعد فهم علاقة مكان الفعاليات بمحتواها، وهي أقرب لما هو متاح سواء كمكان أو شريط سينمائي، فبعض هذه المساحات جديدة على التظاهرات السينمائية، وبعضها الآخر يمتد نشاطها السينمائي لسنوات خلت؛ بمواربات يعرفها من قبعوا في مناطق سيطرة النظام؛ فتارة تجنح لأفلام لاتينية وأخرى أوروبية، بما يُسمى سينما نخبوية أو لاجماهيرية بالحد الأدنى، لا تراعي شرط المتعة السينمائي، ولنا التساؤل هل نريد للوثائقي السوري بعد أن وصل للبلاد أخيرا أن يكون في خانة النخبة؟ وهل يستطيع المنتج الوثائقي السوري ألا يكون شأنا سياسيا؟ أو على الأقل ألا يطغى السياسي على الفني.

التقييم.. مسألة أخرى معقدة

ورثت السينما الوثائقية السورية من الجيل السابق أسلوب المخادعة مع شخوصها ومواضيعها، وإن كان ذلك مقبولا على مضض في أفلام عمر أميرالاي، وهو الذي تقصد بداية مخادعة الجهة الانتاجية، أتت بعض أفلام مرحلة الثورة مرتكزة على غياب الشفافية، وتمتد هذه بين المخرج وفريق التصوير أحيانًا، عدا عن الزور الذي يقدمه المخرج للحاضنة التي يُريد تصويرها. تقترب هذه المخادعة من الاستهزاء في بعض الأفلام، وتستعلي بالتأكيد على الأفراد، ومعروف قدر الرهبة التي تمتلكها الكاميرا على الشعب السوري، في ظل غياب واضح لأي مناورة من صناع هذه الأفلام على الجهات المانحة الحاضرة دوما بين منتجي أي شريط وثائقي سوري. 

يُراد لنا التسليم بالصورة النهائية التي يقتصها المخرج من ساعات تصوير مديدة كواقع، وليس كمادة فيلمية منتقاة بعناية، تخدم نظرته، وإن كانت الأقوال على لسان الشخصيات التي تحاصرها الكاميرا وشروط الوضع المهددة للحياة في الغالب، فهي ليست محصنة من اجتزاء الصناع، وبقدر ما هي تتفلت من الشخصيات، توضع بشكل واع ضمن سردية الفيلم اختزالا لهؤلاء، وكأنها رأيهم المجرد وأيديولوجيتهم الصرفة بدون أي ضغوط.

تمتلك بطاقة كل فيلم سيلا من المعلومات عن الجوائز التي حازها، والمهرجانات التي أمها، وليس غريبا عن الحالة السورية أن يترافق اسم المخرج أو الأبطال بوصف الشهيد، كما عند نيراز سعيد وأسامة الهبالي (الحمصي)، ولا بد من التساؤل إن كان تقييم المادة الفنية يخضع لدرجة الحماية التي وفرها القائمون على الفيلم لبعض المشاركين، الذين تُركوا ليواجهوا مصيرهم في أقبية النظام، بينما يعتلي صانعو هذه الأفلام ممن حازوا الأمان منصات التتويج. وعلى الضفة الأخرى يبرز حضور أسماء مخرجين أجانب رفقة الفريق السوري، تشذيبًا وسعيًا لعالمية مشتهاة، ويقتصر دورهم (كما بعض المخرجين السوريين في الخارج) على دور المونتير، أو اللقطات العلوية بالدرون التي لا تتسم بالخطر، وتبوح بنظرة عامة على الخراب، على النقيض من الحميمية لدى المصورين على الأرض في وجه الخطر. 

وفرت الجهود المرافقة للثورة السورية كما مهولا من المقاطع البصرية لأحداثها، ومن السهولة بمكان انتقاء ما يُناسب ووضعها في سياق، أضف لهذه المقادير بعضا من المقابلات ليكون لديك شريط وثائقي، وهذا النوع حاضر على قلته، ومختلف عليه إن كان يمكن اعتباره فيلما وثائقيا بالأصل. النوع الأكثر حضورا؛ ذاتي، يفيض عنه التعليق الصوتي، الذي يغدو ثرثرة في بعض الأفلام، ويقترب في أحيان من القصدية في تركيب المشاهد والحوارات، وبخضم كل هذا يحضر الأطفال دون مراعاة لشروط التعامل مع النشء الصغير وتحويلهم لمواد فلمية، حتى وإن كان على يد ذويهم. 

تمثل سوريا موضوعًا عصيبًا للمشاهدة، ويحتاج الجمهور لصدق ولقدر من الأخلاقية من صانعي الصورة، كذلك على الجمهور النظر بتوجس لما يُتاح له، وألا يظن نفسه في موقع من هم وراء الكاميرا، إنما هو أقرب للشخصيات التي تظهر أمامها بعفويتها ولا انضباطها، فالحُكم وإن كان تجنبه شاقا؛ ينبغي أن يكون على عمل فني، وليس اعتباره شهادة عما جرى ويجري، فالفرادة التي اقتنصتها بعض الأفلام حاضرة تحت أي سماء في سوريا جامعة، وهي تؤشر على ذاتية الجمهور وليست مفتاحا كي يصم الشخصيات بالآخر.

الكلمات المفتاحية

خالد خليفة

هل يُورَّث العار؟ سؤال خالد خليفة المزلزل في "لم يصلِ عليهم أحد"

يؤرّخ خالد خليفة في روايته "لم يصلِّ عليهم أحد" لمرحلةٍ من تاريخ مدينة حلب، حاصدًا في سرديته خيوط التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية


وزارة الثقافة

وزارة الثقافة تصدر تعميمًا بمواصفات القطع الأثرية المسروقة من المتحف الوطني

أكدت وزارة الثقافة أن نشرها لمواصفات القطع المفقودة يهدف للمساعدة في تعقبها واستعادتها


شارك كتابك

"شارك كتابك".. مبادرة سورية لتعزيز ثقافة القراءة وتبادل المعرفة

تواصل المكتبة الوطنية بدمشق فتح أبوابها أمام الجمهور لليوم الثالث على التوالي، ضمن مبادرة "شارك كتابك" التي ينظمها فريق "هذه حياتي"


وردة إشبيلية

"وردة إشبيلية" تجمع الأندلس ودمشق على خشبة دار الأوبرا

جاء هذا العمل ثمرة تعاون فني جمع بين دار الأوبرا وفرقة "دانس" للرقص المسرحي ومنظمة "موزاييك" السورية

الجفاف شمال شرق سوريا
مجتمع واقتصاد

الجفاف يواصل تهديد القمح في شمال وشرق سوريا.. ومطر متأخر يثير الأمل الهش

يهدد الجفاف القمح في شمال وشرق سوريا رغم أمطار متأخرة أشعلت الأمل، فيما يواجه الفلاحون مخاطر متصاعدة

أبناء المعتقلين
أخبار

الشؤون الاجتماعية توضح إجراءاتها في ملف أبناء المعتقلين وتؤكد امتناعها عن التصريحات الإعلامية

أكدت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في بيان صادر عنها مواصلتها العمل على ملف الكشف عن أبناء المعتقلين قسرًا


صندوق النقد الدولي
أخبار

بعثة صندوق النقد تشيد بمؤشرات التعافي وتحثّ على نظام ضريبي بسيط وشفاف يعزّز الحوكمة

بحثت بعثة صندوق النقد بدمشق تعافي الاقتصاد وخطط الإصلاح المالي والنقدي وتعزيز قدرات المؤسسات في المرحلة

منتخب سوريا لكرة القدم
منوعات

بتشكيلة شابة وطموح الانتصار.. منتخبنا الوطني لكرة القدم يواجه باكستان في تصفيات آسيا

يواجه منتخبنا الوطني باكستان غدًا بتشكيلة شابة، سعيًا لتأكيد الصدارة وصقل المواهب وتحقيق فوز يعزز مسيرته الآسيوية

الأكثر قراءة

1
ثقافة وفنون

هل يُورَّث العار؟ سؤال خالد خليفة المزلزل في "لم يصلِ عليهم أحد"


2
أخبار

تركيا تنفي استقبال مرحّلين سوريين من أوروبا


3
قول

رسالة قصيرة وسريعة إلى شعب الخيام


4
أخبار

قوات الاحتلال تنشئ حاجزًا مؤقتًا في ريف القنيطرة.. ووفود عسكرية روسية وتركية تصل المنطقة


5
سياسة

مخيم الهول.. بين حقيقة وجود "داعش" ومغامرة التفكيك العشوائي


advert