فراغ إداري يهدد انطلاق الدوري الممتاز ويكشف هشاشة البنية المؤسسية لاتحاد كرة القدم

من يزور مقر اتحاد كرة القدم هذه الأيام ينتابه شعور غريب، وكأنه يدخل إلى مبنى مهجور بالكاد يلمح فيه بضعة أشخاص، بعضهم قد يكون من الزوار. وبينما كان هذا المقر الكائن في مدينة الفيحاء الرياضية يعج بالموظفين والإداريين وكوادر اللعبة من أندية دمشق أو خارجها، بات اليوم فارغًا تمامًا، في مشهد يعبر عن الحالة التي وصلت إليها اللعبة الشعبية الأولى في البلاد على جميع الأصعدة، بانتظار الحدث المرتقب، وهو انتخاب مجلس إدارة جديد في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، على أمل أن يخرج الاتحاد الجديد اللعبة من حالة الموت السريري التي تعيشها.

استقالات ورواتب معطلة

لدى الاستفسار عن الأسباب التي جعلت مبنى اتحاد الكرة يخلو من موظفيه ومن كوادره، أجابنا الأمين العام للاتحاد، مازن دقوري، قائلًا: "العديد من الموظفين تقدم باستقالته، والبعض استنكف عن العمل أو يمارس بعضًا من مهامه وهو في المنزل"، لافتًا إلى أن السبب الرئيسي  في ذلك يعود إلى "عدم القدرة على دفع أجور أو رواتب الموظفين، حيث لم يتقاض هؤلاء أي ليرة سورية منذ شهر حزيران/يونيو 2024"، أي منذ حوالي 16 أسبوعًا. 

ويضيف الدقوري لموقع "الترا سوريا" أن: "معظم الموظفين مرتبطين بعقود خبرة، وكان يتم دفع رواتبهم عن طريق الاتحاد الآسيوي لكرة القدم مرة كل أربعة أو خمسة أشهر. لكن الاتحاد الآسيوي جمّد هذه الرواتب المستحقة حتى نهاية العام 2024 بعد استقالة مجلس إدارة الاتحاد السابق". ولفت إلى أن الاتحاد الآسيوي "أبلغنا أن الأموال المخصصة لرواتب الموظفين عن الأشهر السابقة المستحقة ستبقى مجمّدة إلى حين انتخاب اتحاد جديد، على أن يلتزم الاتحاد الجديد بدفعها للموظفين، حتى وإن تركوا عملهم بعد شهر كانون الأول/ديسمبر 2024".

لا أحد يعمل بالمجان

يضم الاتحاد السوري لكرة القدم أقسامًا عديدة وفق هيكلية إدارية تتواءم مع التقسيمات الإدارية الموجودة في الاتحاد الآسيوي إلى حد كبير. ويقع على عاتق هذه الأقسام وموظفيها الجزء الأكبر من العمل اليومي التنفيذي لاتحاد الكرة، بينما يتخذ أعضاء مجلس الإدارة دورًا أكبر فيما يتعلق بالتخطيط ووضع الخطط الاستراتيجية.

لكن الفراغ الإداري منذ تسعة أشهر، بات يهدد بالفعل روزنامة عمل الاتحاد وأنشطته المحلية، بعد أن تولى البعض تسيير الأمور في شهري آيار/مايو وحزيران/يونيو الماضيين من أجل تسهيل عملية إقامة بطولة الدوري لتجنب أي حرمان لأنديتنا من المشاركة الآسيوية، فإن هذا "البعض" لم يعد موجودًا الآن، بعد أن تقدم العديد من رؤساء الأقسام والموظفين بالاستقالة الرسمية أو أعلن الاستنكاف عن العمل إلى حين إيجاد حل للأمور المادية العالقة.

يقول رئيس قسم شؤون اللاعبين، علاء الملحم، وهو أحد رؤساء الأقسام الذين تقدموا باستقالتهم قبل فترة وجيزة، لـ"الترا سوريا": "هذا المكان له فضل على الكثير من الأشخاص العاملين فيه، ولذلك كان لا بد لنا من مواصلة العمل خلال الأشهر الماضية، حتى لو كان ذلك بالمجان وعلى حساب حياتنا الشخصية. كما تلقينا وعودًا كثيرة من أجل معالجة هذا الوضع دون أن ينفذ أي منها".

ويضيف الملحم: "على الرغم من تشكيل وزارة للرياضة والشباب، إلا أن ضعف الإمكانيات المادية وأسباب أخرى حالت دون إبرام عقود جديدة (محلية) مع هؤلاء الموظفين أو مع رؤساء الأقسام على أقل تقدير، وهو ما جعل العبء كاملًا يقع على الأمين العام الذي بات ينجز أعمال معظم الأقسام والمراسلات وكل ما يتعلق بعمل الاتحاد تقريبًا". 

وتابع الملحم قائلًا: "حسب معلوماتي، اجتمعت اللجنة الاستشارية والأمين العام أكثر من مرة مع السيد الوزير، ورفعوا كتبًا عدة من أجل تقديم مكافآت لعدد من رؤساء الأقسام والموظفين الذين يحتاجهم الاتحاد بشدة، لكن الإجابة كانت دائمًا بالرفض؛ في النهاية لا أحد يعمل بالمجان إلى الأبد".

انطلاقة الدوري على المحك

بينما يقوم الأمين العام وبعض أعضاء اللجنة الاستشارية، التي تقدمت باستقالتها تمهيدًا لمشاركة أعضائها بالانتخابات المقبلة، بتسيير أمور المنتخبات الوطنية التي لديها استحقاقات خلال الفترة المقبلة، مثل المنتخب الأول الذي يواجه ميانمار في شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري في مباراتين مصيريتين من أجل التأهل إلى كأس آسيا، فيما يستعد منتخب الناشئين لخوض منافسات التصفيات المؤهلة إلى كأس آسيا في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. وبناء على ذلك، يبدو أن الروزنامة المحلية لا يمكن لعجلتها أن تدور من دون تواجد عدد من الموظفين ورؤساء الأقسام، وتحديدًا في أقسام المسابقات والحكام وشؤون اللاعبين والإعلام.

وحول هذه النقطة يقول رئيس تحرير صحيفة "الرياضة والحياة"، بسام جميدة، لـ"الترا سوريا": "الجميع يعلم أن أندية الدرجة الممتازة بدأت التعاقد مع اللاعبين، وأنها تجري حاليًا مباريات ودية فيما بينها استعدادًا للموسم الجديد الذي سيضم 16 ناديًا". وأضاف "على الرغم من أن الاتحاد أعلن أن البطولة ستبدأ في شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري، إلا أنه لم يحدد موعدًا دقيقًا، ولم يشرح نظام البطولة سواء أكانت بطريقة الذهاب والإياب أم التجمع أو تقسيم الفرق إلى مجموعتين جغرافيتين، كما أنه لم يجرِ قرعة الدوري، ولم ينجح بتسويقه أيضًا".

وأشار جميدة إلى أن: "النقطة الأهم تتعلق بتسجيل اللاعبين على برنامج (Fifa connect) حيث لا يوجد أحد حاليًا في اتحاد الكرة يجيد العمل على هذا البرنامج بعد استقالة كل الموظفين في هذا القسم"، محذّرًا من "صعوبة تأمين البديل في الوقت القصير المتبقي قبل الموعد المرتقب لانطلاق بطولة الدوري، وهو ما يجعل منافسات الموسم الجديد بكافة درجاته وفئاته على المحك، ويزيد من الملفات العالقة والضاغطة على الاتحاد الجديد الذي سيتم انتخابه بعد فترة قصيرة، كما أنه يثقل على كاهل الأندية التي تستعد منذ فترة جيدة وتوقع عقودًا مع اللاعبين".

قد يكون من الإجحاف والظلم إطلاق الأحكام على عمل اللجنة الاستشارية خلال الفترة الماضية وتقييم عملها بـ"الفشل"، إذ إنها ممثلة برئيسها، حازم حربا، بذلت جهدًا كبيرًا من أجل مواصلة النشاط الكروي المحلي وعدم إيقافه، إضافة إلى تأمين كل مستلزمات المشاركة الخارجية للمنتخبات الوطنية من معسكرات ومباريات. لكن واقع الأمر يشير إلى أن عدم استجابة الوزارة لمطالب اللجنة المتكررة، وعدم قدرة اللجنة على تأمين أي موارد أو إقامة بطولات ودية ذات رعاية حقيقية تعود عليها بالنفع المادي، قد أوصل اتحاد كرة القدم إلى غرفة العناية المركزة، والتي يأمل الكثيرون أن يخرج منها معافى دون أي آثار جانبية على مستقبله القريب.