مخيم اليرموك.. سكان الأنقاض الذين ينتظرون عودة الحياة
17 فبراير 2025
يأخذ الفلسطينيون نصيبهم الوافر من كل حقبة سوداء تمر على هذه البقعة من الأرض. مع كل أزمة تطول بلدًا في الجوار تتجدد نكبتهم، ويتجدد شتاتهم في مشاهد متشابهة تشي بأن تاريخهم لا يمل من تكرار نفسه.
في الكارثة السورية، وقف الفلسطينيون مع السوريين جنبًا إلى جنب، فكانوا مثل أشقائهم، شهداء وضحايا تعذيب ومغيبين في الزنازين.. ومهاجرين.
ويمثل مخيم اليرموك عنوانًا واضحًا لهذه المشاركة المأساوية.. إنه رمز لمحنة سوريا ولمحنة فلسطين كذلك..
في كانون الأول/ديسمبر عام 2012 فجأة ومن دون تحذيرات، قصفت طائرة حربية طراز ميغ 23 منتصف وشمال مخيم اليرموك، قرب دمشق، الذي كان يعج بأهله وبالنازحين من مناطق مجاورة. تسببت الحادثة بوفاة عشرات الأشخاص ولم يتم التعرف على أغلبهم لأنهم أشلاء.
وبدءًا من اليوم التالي، حدث نزوح جماعي إلى خارج المخيم، في مشهد مشابه لنكبة عام 1948. وفي إحدى مفارقات التاريخ العابثة فإن العديد من جداتنا وأجدادنا اتكأوا على أكتاف أحفادهم خلال النزوح سيرًا، تمامًا كما اتكأ عليهم أجدادهم قبل 77 عام.

توالت الأحداث على مخيم اليرموك فشهد حصارًا قاسيًا نفذه النظام السوري باستخدام أفرع مخابراته وفصائل فلسطينية من ابتكاره.
وفي عام 2018، دمر نظام الأسد مخيم اليرموك بشكل كامل خلال عشرين يومًا، قبيل انسحاب عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، بمعدل غارة جوية كل دقيقتين. ولكن الملفت أنه دمره بحجة القضاء على عناصر التنظيم الذين خرجوا بالحافلات سالمين مع عوائلهم، في اليوم نفسه الذي دخلت إليه قوات الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد!
إصرار سكان المخيم على العودة إليه، رغم حالته التي لا توصف، دليل على أنهم لا يملكون مكانًا آخر في هذه المدينة.
السكن بين الأنقاض ليس سهلًا وحده، ما بالك مع وجود حاجز لفرع الأمن العسكري على مدخل مخيم اليرموك. كان الحاجز يمنع دخول مواد إعادة الإعمار، ويسدّ الهواء والأوكسجين. الآن مع رحيله، ينتظر سكان المخيم المتبقين عودة الحياة.. أو بعضا منها.
يقف أبو محمد (50 سنة) على رصيف في حارته لساعات يوميًا، يشوي "فشّة" ويبيعها، محاولًا قضاء وقته، كما كان يفعل في السابق: بالحديث مع جيرانه في المنطقة. لكنه يقف الآن ولا يجد أحدا حوله. لقد خسر كل من كان في عمره، إما بالقصف الصاروخي أو بالهرب خارج البلاد أو بالتغييب في سجون النظام..
كل ما يحيط بعبد الله مثير لليأس: ركامٌ وأنقاض الأبنية وشوارع فقدت ملامحها. يقول: "كبرت شابًا متّكئًا على جدران الشوارع ومتمشيًا بين الأزقة التي صرت أضيع فيها الآن.. أجد صعوبة بإيجاد طريقي أحيانًا عندما أذهب للمشي في الصباح".
الناجون يفتقدون الإحساس بالزمن. تراهم يحاولون ممارسة يومهم كما كانوا يمارسونه قبل خروجهم من مخيم اليرموك. لقد توقف زمنهم في تلك اللحظة الغابرة التي يحاولون عيشها من جديد.
في شارع المغاربة، في المخيم، افتتح إبراهيم دراجي (62 سنة) مضافة في زقاقه يستقبل بها ضيوفه من جيرانه ومن الحارات المجاورة. يقول: "عدنا لبيتنا ورممناه، ولكن بعد تحرير سوريا أتى نبأ خسارة ابننا في صيدنايا. زوجتي لم تتحمل الحقيقة فماتت من القهر وبت وحيدًا. لقد شيّدتُ هذه المضافة لاستقبال الأصدقاء، نشرب الشاي ونتحدث وأملأ بمحبتهم ما فقدت".
معظم قاطني مخيم اليرموك اليوم، أتوا إليه بعد تدميره ودخول جيش النظام السابق. ولكن هناك من لم يغادر بالأصل ومر عليه كل ما مر على المخيم من حصار حصيلته 152 ضحية ماتوا جوعًا، وقصف بشتى أنواع الأسلحة الثقيلة، واقتحامات عسكرية. هؤلاء يمتهنون النجاة إذ لم يعرفوا غير النجاة.
افتتح أبو خالد (67 سنة) محله للخياطة وتصليح الألبسة، ويلتزم بأوقات دوام محله. لكن ما من بيوت فيها سكان تتمزق ألبستهم. يقول: "افتتحت محلي الخاص كي أعيش منه، ولكن أقرب زبون يأتي إلي يسكن على بعد خمسة أبنية مدمرة".

لا يعرف الأطفال شكل المخيم سابقًا وما من شيء يتذكرونه. كل شيء أمامهم الآن هو كل شيء يعرفونه. يسمعون تذمر أهاليهم من كثرة الركام وحنينهم لشوارع مأهولة، فيخلقون أماكنهم وساحات لعبهم وكأنهم حازوا على ما سوف يحنون له يومًا ما. يقول الطفل ماجد عبد الهادي (11 سنة): "نسكن بأنحاء متفرقة في المخيم، نجمع أنفسنا ونأتي لنلعب في باحة مدرسة الجرمق بعد أن كنسناها ووضعنا بأيدينا حدود الملعب من ركام المدرسة. إنه ملعبنا الخاص إلى حين إعادة الإعمار. صحيح أننا أطفال ولكن أعطونا الأدوات لنبدأ بإزالة الركام المزعج، ولا نريد مقابل".
من كانوا رجالًا وأرباب أسر قبل بدء هذه النكبة، اضطروا لدفع ثمن خسارة أعمالهم وبعض ابنائهم. حاولوا النجاة قدر الإمكان وعادوا لبيوتهم التي لم ترمم بشكل كامل بعد. لا محلات يمارسون فيها العمل. ولكن أجزاء من الرصيف ما زالت تحمل كرسيين ولاعبين وبعض الجمهور ولعبة طاولة. يقول ناصر نجم (62 سنة): "حتى الآن نحن موجودون في شارعنا وأزقتنا، تماما كما كان أهالينا يحاولون استمرار وجودهم في قرى وبلدات فلسطين المحتلة".
السكن بين ركام الأبنية هو أحدث معاناة لفلسطينيي اليرموك، فقد كان هناك سابقًا أبواب عذابٍ أخرى فتحها النظام البعثي عليهم طيلة سنوات الثورة. تارة يعتقل النظام شبابًا وشابات من مخيم اليرموك بشكل عشوائي وبتهمٍ ملفقة، وتارة يقصف الأحياء والمدارس ومراكز الأونروا الخدمية بشكل متعمد وتارة يمنع حق التملك والتوريث، وتارة يعطّل دوائر أحوال الفلسطينيين الشخصية. رغم ذلك يحاول الفلسطينيون في المخيم الخوض بحياتهم اليومية بأقل الخسائر. يقول العم أبو سعيد (75 سنة): "هذا ما لدينا أنا وزوجتي، أمضينا عمرنا بإعمار البيت والمحل ولن نتركه".
الكلمات المفتاحية

الجفاف يواصل تهديد القمح في شمال وشرق سوريا.. ومطر متأخر يثير الأمل الهش
يهدد الجفاف القمح في شمال وشرق سوريا رغم أمطار متأخرة أشعلت الأمل، فيما يواجه الفلاحون مخاطر متصاعدة

حوار| يونس الكريم: اقتصاد اليوم قائم على الشعارات والقرارات المزاجية والسلطة تجيد الإصغاء
ملفات كثيرة وتفاصيل مثيرة يطرحها الباحث الاقتصادي يونس الكريم في هذا مع موقع "الترا سوريا"

جمع النفايات في حلب.. احتياجات متزايدة وتوزيع غير متوازن للموارد بين الأحياء الراقية والمنسية
يستعرض التقرير واقع جمع النفايات بحلب، مبينًا ارتفاع الاحتياجات وتفاوت توزيع الموارد بين الأحياء الراقية والمنسية حاليًا

الجفاف يواصل تهديد القمح في شمال وشرق سوريا.. ومطر متأخر يثير الأمل الهش
يهدد الجفاف القمح في شمال وشرق سوريا رغم أمطار متأخرة أشعلت الأمل، فيما يواجه الفلاحون مخاطر متصاعدة

الشؤون الاجتماعية توضح إجراءاتها في ملف أبناء المعتقلين وتؤكد امتناعها عن التصريحات الإعلامية
أكدت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في بيان صادر عنها مواصلتها العمل على ملف الكشف عن أبناء المعتقلين قسرًا

بعثة صندوق النقد تشيد بمؤشرات التعافي وتحثّ على نظام ضريبي بسيط وشفاف يعزّز الحوكمة
بحثت بعثة صندوق النقد بدمشق تعافي الاقتصاد وخطط الإصلاح المالي والنقدي وتعزيز قدرات المؤسسات في المرحلة

بتشكيلة شابة وطموح الانتصار.. منتخبنا الوطني لكرة القدم يواجه باكستان في تصفيات آسيا
يواجه منتخبنا الوطني باكستان غدًا بتشكيلة شابة، سعيًا لتأكيد الصدارة وصقل المواهب وتحقيق فوز يعزز مسيرته الآسيوية


