مدارس بلا اختلاط.. فصل الجنسين في المدارس يثير تساؤلات حول جدوى القرار
7 أكتوبر 2025
تداولت منصات التواصل الاجتماعي مؤخرًا خبرًا مفاده أن مديرية التربية في حمص قررت فصل الذكور عن الإناث في المدارس ابتداءً من الصف الأول الابتدائي، ما أثار جدلًا واسعًا بين الأهالي والمعلمين. وفي ظل المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد بعد سقوط نظام الأسد، أصبح كل قرار تربوي محط أنظار المجتمع، بين من يعتبره تنظيمًا ضروريًا للعملية التعليمية ومن يراه خطوة تتعارض مع تطلعات مرحلة جديدة تعد بإعادة تشكيل هوية وطنية جامعة وسياسات تعليمية حديثة.
بين النفي والتأكيد
تفيد الأخبار المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي بأن مسؤولًا في مديرية التربية بحمص، يُعرف باسم "الشيخ هشام"، وجه عبر مجموعة على "واتساب" تضم مديري المدارس والموجهين التربويين تعليمات بفصل الذكور عن الإناث في مدارس المدينة، وبأن بعض المدارس قامت بتطبيق هذا القرار، حيث خصصت دوامًا صباحيًا للذكور ومسائيًا للإناث، أو العكس. في حين لجأت مدارس أخرى إلى تخصيص طابق للذكور وآخر للإناث، وفصل ساحات اللعب لتفادي الاختلاط.
وفي مواجهة هذه الأخبار نفت مديرية التربية في حمص صحة ما تم تداوله في منشور لها على منصة "فيسبوك"، داعية المواطنين ووسائل الإعلام إلى تحري الدقة والاعتماد على المصادر الرسمية لتجنب "إثارة البلبلة".
وبعد التحري؛ أكدت شهادات حصل عليها موقع "الترا سوريا" أن الفصل بين الذكور والإناث جرى تطبيقه فعليًا في بعض المدارس وليس كل المدارس. ففي مدينة بانياس أصبحت إعدادية "عماد عرنوق" مخصّصة للذكور من الصف السابع حتى مرحلة البكالوريا، بينما حولت ثانوية "عماد عرنوق" وإعدادية "عبد القادر عرابي" إلى مدرستين للإناث. أما في حمص فقد روى عدد من أهالي التلاميذ لـ"الترا سوريا" أن عدة مدارس من أحياء المدينة اعتمدت تقسيم الصفوف إلى شعب للذكور وأخرى للإناث، مع بقاء الساحة المشتركة مكانًا لاختلاط الطلاب خلال فترات الاستراحة، لكنهم أكدوا أنه يجري الحديث عن العودة للوضع السابق.
انعكاسات سلبية على شخصية الأطفال
يقول المعلم ياسين، وهو من ريف طرطوس، لـ"الترا سوريا": "الفصل بين الذكور والإناث في المدارس يترك آثارًا سلبية على السلوك والتكوين النفسي للتلاميذ"، موضحًا أن الطلاب الذكور في غياب زميلاتهم الإناث يصبحون أكثر ميلًا إلى قلة الانضباط داخل الصفوف، بينما يدفعهم وجود الطالبات إلى التحلي بأدب أكبر والحفاظ على صورة إيجابية.
بين الأصوات المؤيدة والمعارضة، يظل موضوع فصل الذكور عن الإناث في المدارس المحلية واحدًا من أكثر القضايا إثارة للجدل في المرحلة الراهنة
ويعتبر ياسين أن المدارس المختلطة تُسهم في بناء شخصية أكثر توازنًا من الناحية الاجتماعية والنفسية، إذ تمنح التلاميذ فرصة للتفاعل السليم مع الجنس الآخر وتعلّم ضبط الانفعالات، وهو ما يُعدّ مهارة ضرورية لمواجهة المجتمع الجامعي المختلط لاحقًا. أما في المدارس أحادية الجنس فيلاحظ أن الطلاب يفتقرون إلى هذه الخبرة ما يجعل بعضهم عرضة للتزمت أو الانحراف أو الإفراط في الخجل عند الاحتكاك بمجتمع متنوع.
ويضيف: "الطالب المجتهد سيبقى مجتهدًا سواء وُجد في مدرسة مختلطة أم لا، والكسول سيجد الأعذار في كل الأحوال، لكن وجود الجنس الآخر يشكل دافعًا إضافيًا لإثبات الذات أكاديميًا وسلوكيًا"، مشيرًا إلى أن إثبات الذات عند الطالب ربما يكون بالمعنى الإيحابي أو السلبي، وهنا يأتي دور المعلم في ضبط الصف.
في حين ترى المعلّمة رهام، التي تُدرّس في المرحلة الابتدائية بريف اللاذقية، في حديثها لـ"الترا سوريا" أن فصل الذكور عن الإناث لا يحمل أي فائدة تربوية حقيقية، بل قد يترك انعكاسات سلبية على شخصية الأطفال. وأوضحت أن هذه المرحلة العمرية حساسة للغاية، إذ يبدأ فيها التلاميذ باكتشاف محيطهم والتعرف على أوجه الاختلاف والتنوع، وهو ما يُعد جزءًا أساسيًا من عملية النمو النفسي والاجتماعي.
وتشير رهام إلى أن اعتماد الفصل في هذا العمر المبكر يُمثل تجاوزًا للفطرة السليمة، كما قد يُرسّخ لدى بعض الأطفال أفكارًا متشددة مستمدة من بيئاتهم المنزلية، بدل أن تكون المدرسة مساحة لتصحيح هذه المفاهيم وتوجيههم نحو قيم التربية الحديثة. وتضيف أن دور المدرسة ينبغي أن يكون أوسع من مجرد نقل المعرفة، فهي مطالبة أيضًا ببناء الإنسان على أسس الانفتاح والتنوع، بعيدًا عن القوالب الاجتماعية المسبقة.
أما الأستاذ محمود، وهو معلم في إحدى مدارس ريف حماة، فيقول لـ"الترا سوريا" إنه يميل إلى تأييد فكرة الفصل بين الذكور والإناث، انطلاقًا من مراعاة طبيعة المجتمع المحلي المحافظ، ورغبة الكثير من الأهالي في أن تبقى البيئة المدرسية متناغمة مع القيم الأسرية. ويرى أن هذا الأمر يمنح العائلات نوعًا من الطمأنينة، خصوصًا في المراحل الإعدادية والثانوية التي يزداد فيها اهتمام المراهقين بالجنس الآخر.
لكنه في الوقت نفسه يقرّ بأن الفصل ليس حلًا مثاليًا، إذ قد يحرم الطلاب من فرص مبكرة لاكتساب مهارات التعامل مع الجنس الآخر بشكل صحي ومتوازن. ويقول: "أنا مع الفصل بما يراعي ثقافة المجتمع، لكن لا بد أن ترافقه أساليب تربوية حديثة تعوّض غياب الاختلاط، حتى لا نجد أنفسنا أمام جيل يفتقر إلى الخبرة الاجتماعية اللازمة".
أولياء الأمور بين مؤيد ومعارض
وصل الجدل حول قضية فصل الجنسين بالمدارس إلى أولياء أمور الطلاب، الذين انقسموا بين مؤيد يعتبرها خطوة ضرورية لضبط السلوك داخل المدارس، ومعارض يرى فيها خطرًا على تكوين شخصية الأطفال ونموهم الاجتماعي.
فمن جهة، يرى أبو أحمد، والد طالب في المرحلة الإعدادية في مدينة حمص، أن الفصل "يوفر أجواء أكثر جدية"، موضحًا أن وجود الإناث مع الذكور في سن المراهقة قد يفتح بابًا للتشتيت عن الدروس. ويضيف أن الكثير من الأسر "ترتاح نفسيًا" حين تعلم أن أبناءها يتلقون تعليمهم في بيئة تتماشى مع قيم المجتمع المحافظ.
على الطرف الآخر، تعترض أم ليلى، والدة تلميذة في الصف الخامس بريف اللاذقية، على الفكرة، وتقول إن "المدرسة ليست مكانًا للعزلة، بل فضاء يعلّم الطفل كيفية التفاعل مع الآخرين على اختلافهم". وتعتبر أن عزل الجنسين منذ المراحل الأساسية "يكرّس صورًا نمطية" بدل أن يساعد في تصحيحها، مشددة على أن الاختلاط في هذه السن المبكرة يعلّم الأطفال الانفتاح وقبول الآخر.
أما سامر، والد طالبة في المرحلة الثانوية بحماة، فيتخذ موقفًا وسطًا؛ إذ لا يرى في الفصل "خطرًا مباشرًا"، لكنه يخشى أن يؤدي إلى فجوة اجتماعية لاحقة حين ينتقل الطلاب إلى الجامعات المختلطة. ويضيف لـ"الترا سوريا": "نحن لا نريد أبناءً منطوين ولا متشددين، لكننا في الوقت نفسه نخاف من أن يتأثروا سلبًا بالاختلاط المبكر. لذلك ربما الحل في الموازنة بين الانضباط داخل المدرسة، والتربية الأسرية الواعية في البيت".
بين غياب المعايير والنتائج الغامضة
نشرت منصة "Learning For Justice" مقالًا بعنوان "Gender Segregation: Separate But Effective"، تناول جدل التعليم أحادي الجنس في الولايات المتحدة، وجمع آراء خبراء حول أثره على الطلاب.
تقول إميلي مارتن، نائبة مدير برنامج حقوق المرأة في الاتحاد الأميركي للحريات المدنية: "لا يوجد دليل موثوق على أن فصل الطلاب حسب الجنس يُحسّن مستوى التعلّم لدى أيٍّ من الجنسين". وتشير دراسة نشرت عام 2006 من قبل جامعة ولاية أريزونا إلى أن معظم الأبحاث حول التعليم المنفصل ضعيفة من الناحية العلمية، كما خلص تقرير وزارة التعليم الأميركية 2005 إلى أن النتائج "مبهمة"، مع الأخذ في الاعتبار أن غالبية الدراسات أُجريت في مدارس خاصة، مما يصعّب تعميمها على التعليم العام.
وتؤكد أليسون نيل، المحامية في الاتحاد الأميركي للحريات المدنية أن: "الفصل بين الجنسين لا يجعل المدارس الحكومية أشبه بالمدارس الخاصة التي تتبع الفصل بين الجنسين، والفروق في الجودة تعود غالبًا إلى الموارد المتاحة بينهما". وتضيف مارتن: "بدلًا من الاعتماد على الفصل، يجب التركيز على صفوف أصغر، تدريب أفضل للمعلمين، ومشاركة الأهالي".
ختامًا، بين الأصوات المؤيدة والمعارضة، يظل موضوع فصل الذكور عن الإناث في المدارس المحلية واحدًا من أكثر القضايا إثارة للجدل في المرحلة الراهنة، فهو من جهة يعكس الرغبة في الحفاظ على منظومة القيم الاجتماعية السائدة، ومن جهة أخرى يكشف عن حاجة ملحّة لإعادة النظر في أساليب التربية الحديثة بما يضمن تنشئة جيل متوازن وقادر على الانفتاح على الآخر، وهنا تبرز قدرة الجهات الحكومية على التوفيق بين الحفاظ على هوية السكان الاجتماعية وضرورة تطوير منظومة تعليمية حديثة تهيئ جيلًا متوازنًا قادرًا على التفاعل الاجتماعي.
الكلمات المفتاحية

الجفاف يواصل تهديد القمح في شمال وشرق سوريا.. ومطر متأخر يثير الأمل الهش
يهدد الجفاف القمح في شمال وشرق سوريا رغم أمطار متأخرة أشعلت الأمل، فيما يواجه الفلاحون مخاطر متصاعدة

حوار| يونس الكريم: اقتصاد اليوم قائم على الشعارات والقرارات المزاجية والسلطة تجيد الإصغاء
ملفات كثيرة وتفاصيل مثيرة يطرحها الباحث الاقتصادي يونس الكريم في هذا مع موقع "الترا سوريا"

جمع النفايات في حلب.. احتياجات متزايدة وتوزيع غير متوازن للموارد بين الأحياء الراقية والمنسية
يستعرض التقرير واقع جمع النفايات بحلب، مبينًا ارتفاع الاحتياجات وتفاوت توزيع الموارد بين الأحياء الراقية والمنسية حاليًا

الجفاف يواصل تهديد القمح في شمال وشرق سوريا.. ومطر متأخر يثير الأمل الهش
يهدد الجفاف القمح في شمال وشرق سوريا رغم أمطار متأخرة أشعلت الأمل، فيما يواجه الفلاحون مخاطر متصاعدة

الشؤون الاجتماعية توضح إجراءاتها في ملف أبناء المعتقلين وتؤكد امتناعها عن التصريحات الإعلامية
أكدت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في بيان صادر عنها مواصلتها العمل على ملف الكشف عن أبناء المعتقلين قسرًا

بعثة صندوق النقد تشيد بمؤشرات التعافي وتحثّ على نظام ضريبي بسيط وشفاف يعزّز الحوكمة
بحثت بعثة صندوق النقد بدمشق تعافي الاقتصاد وخطط الإصلاح المالي والنقدي وتعزيز قدرات المؤسسات في المرحلة

بتشكيلة شابة وطموح الانتصار.. منتخبنا الوطني لكرة القدم يواجه باكستان في تصفيات آسيا
يواجه منتخبنا الوطني باكستان غدًا بتشكيلة شابة، سعيًا لتأكيد الصدارة وصقل المواهب وتحقيق فوز يعزز مسيرته الآسيوية


