مدينة دمشق.. هل يعود الاستقرار إلى سوق العقارات؟

تشير الحالة الراهنة لسوق العقارات في دمشق إلى وجود تحديات كبيرة تعكس الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد، فمنذ 8 كانون الأول 2024، شهد السوق حالة من الجمود غير المسبوق، حيث تراجعت حركة البيع والشراء بشكل ملحوظ بسبب عوامل عدة، منها الإجراءات المعقدة لنقل الملكية العقارية، وارتفاع إيجارات العقارات بشكل غير متوقع.

ويتفق أصحاب مكاتب عقارية، في مناطق متفرقة بدمشق، على أن الواقع العقاري في العاصمة شهد تخبطًا غير مفهوم، إذ زادت نسبة العرض بشكل كبير مقابل انعدام في نسبة الشراء، وانخفاض في نسبة الإيجار.

"ألترا سوريا" رصد متوسط إيجارات المنازل في العاصمة، ووجد أنها تتراوح بين 2 – 6 مليون ليرة سورية في المزة، وبين 1 – 4 مليون ليرة في دمشق القديمة، وبين 2 – 5 مليون في الميدان، وتصل لـ 5 مليون في باب مصلى والفحامة، بينما في ريف دمشق (ببيلا، يلدا، زملكا، عربين.. مثلًا) فتتراوح الإيجارات وسطيًا بين 800 ألف و1.5 مليون ليرة سورية، ومعظم العقود تكون إما سنوية أو نصف سنوية، والدفع كذلك.

أما أسعار المنازل فباتت تقدر بالمليارات، إذ يحتاج شراء منزل في دمشق القديمة إلى مبلغ يتراوح بين 1 – 3 مليار ليرة سورية، وقد يصل المبلغ إلى 30 مليار في المناطق التي تصنف بأنها "راقية".

واقع قطاع العقارات في دمشق

يُظهر الباحث الاقتصادي د. عمار يوسف، في حديثه مع "ألترا سوريا" حول واقع قطاع العقارات في دمشق، أن الوضع الديموغرافي في العاصمة له تأثير كبير على سوق الإيجارات، فقد غادر العديد من السكان العاصمة بسبب الخوف وعدم الاستقرار، ما أدى إلى زيادة العرض وقلة الطلب في البداية، ومع مرور الوقت واستعادة بعض الأمان، بدأت الحركة الإيجارية تعود إلى طبيعتها.

ومع ذلك، لا تزال الشكاوى تتزايد بشأن ارتفاع الإيجارات بدلًا من انخفاضها رغم تحسن سعر الليرة السورية، وهنا يُشير د. يوسف إلى أن أسعار الإيجارات ليست مرتبطة مباشرة بالدولار بل تتأثر بأسعار المواد الغذائية والخدمات الأساسية التي لم تنخفض أسعارها بشكل ملحوظ، فمثلًا تعرفة السرفيس كانت بـ 1000 ل.س أما اليوم فتكلفة الركوب بـ 5000 ل.س، لذا لا يمكن أن نظلم المؤجر لأنه يعتاش من المبالغ التي يحصّلها من إيجارات المنازل، فهو أيضًا بحاجة لسلة غذائية ثابتة أو مصروف ثابت.

معوقات اقتصادية وقانونية تعطل دورة العقارات

أما بالنسبة لحركة بيع وشراء العقارات، فيرى د. يوسف أنها تواجه جمودًا بسبب عدم وضوح الرؤية الاقتصادية، وبسبب التوجيهات الحكومية التي تهدف إلى منع تهريب أصول وعقارات النظام السابق وتجنيب توريطهم لأشخاص آخرين، فتم التوجيه بتوقيف عمليات بيع وشراء العقارات لمحاولة منع فلول النظام، وبالفعل توقفت عمليات "الطابو والفراغ والملكية" وهذا له أثر على حركة البيع والشراء.

كما أن انخفاض سعر الصرف زاد من حالة الضبابية حول ما إذا كان يجب البيع بالدولار أو بالليرة السورية، وفقًا لـ د. عمار يوسف.

ناحية أخرى يذكرها يوسف أثرت على حركة البيع والشراء، هي عدم توفر سيولة مع الأهالي، نتيجة حبس السيولة من قبل المصارف، فلجوء المصارف إلى تجميد السيولة يجعل البعض يرفض البيع والشراء بموجب حوالة بنكية، فمثلًا إذا اعتبرنا أن كل حوالة بنكية تقدر بمليون ليرة أسبوعيًا، فإذا باع شخص ما عقارًا يملكه بـ 100 مليون فإنه سينتظر 100 أسبوع ليستلم المبلغ.

إعادة إعمار سوريا: طريق طويل

وفيما يتعلق بإعادة إعمار سوريا، يرى يوسف أنها لا تزال بعيدة المنال في ظل الظروف الحالية والانهيار الاقتصادي الكبير الذي تعاني منه البلاد، إذ يتطلب الأمر اتخاذ إجراءات خاصة لتحقيق أي تقدم في هذا المجال، وترتبط عملية إعادة الإعمار بشكل وثيق بالأشخاص المسؤولين عن تنفيذ هذه المهمة، فهؤلاء الأفراد هم من يحددون مسارات العمل والقرارات الاقتصادية التي ستؤثر على الجدول الزمني اللازم لإعادة الإعمار.

دمشق.. وضع مختلف

على الرغم من الأضرار التي لحقت بسوريا بشكل عام، يشير د. يوسف إلى أن مدينة دمشق لم تشهد دمارًا شاملًا كما هو الحال في ريف دمشق والمناطق الأخرى، وبالتالي، يُتوقع أن تحتاج العاصمة إلى فترة زمنية أقل لإعادة الإعمار مقارنة بالمناطق الأكثر تضررًا.

في المقابل، تواجه الأرياف والمحافظات المتضررة تحديات أكبر تتطلب وقتًا طويلًا وجهودًا مضاعفة لإعادة بناء ما دُمّر، فهذه الفجوة في مستوى الدمار بين المناطق المختلفة تعكس الحاجة الملحة لوضع استراتيجيات فعالة تضمن تسريع عملية الإعمار في المناطق الأكثر تضررًا.

بشكل عام، تعكس هذه الحالة التحديات الكبيرة التي تواجه السوق العقاري في دمشق وتسلط الضوء على الحاجة الملحة لاستقرار اقتصادي وسياسي لتحقيق أي نوع من التعافي أو النمو في المستقبل القريب.