ملف الوظائف الحكومية.. رواتب وهمية وموظفون أشباح
17 فبراير 2025
تذهب (س) إلى عملها يوميًا منذ شهرين. سقط النظام ولكن مؤسسات الدولة لا تزال قائمة ولو شكليًا. غير أن المشكلة هي أن الشابة العشرينية لا تجد ما تفعله في دوامها اليومي سوى توقيع الحضور والانصراف وشرب القهوة. ذلك أن مركز خدمة المواطن (النافذة الواحدة) التي تعمل فيه لا يزال مدرجًا على قائمة إعادة النظر من الحكومة الجديدة.
مراكز خدمة المواطن كانت تعمل على استخراج أوراق ثبوتية للمواطنين: أوراق شؤون مدنية (إخراج قيد، بيان عائلي، بيان ولادة..)، وثيقة غير محكوم، وثيقة غير موظف.
وتواجه المراكز، في مختلف أنحاء سوريا، ورطة يومية منذ نحو شهرين، فالمواطنون يتجمهرون كل صباح أمام أبوابها للحصول على أوراق ضرورية تطلبها جهات حكومية عدة، إلا أن العاملين في المراكز لا يملكون إلا الاعتذار وطلب العودة في اليوم التالي.
ببساطة، الخدمات متوقفة حتى إشعار آخر، ريثما تبت الحكومة الجديدة بأمر هذه المراكز وتبعيتها الإدارية وطبيعة العاملين فيها.
تقول الحكومة إنها استلمت مؤسسات ودوائر ينخرها الفساد، وإنها مضطرة إلى إعادة النظر في طريقة عملها وفي عدد ونوعية العاملين فيها
فهنا ثمة الكثير من الموظفين الذين عينوا على عجل أثناء سنوات الأزمة، وكثير منهم نقلوا من أماكن عمل أخرى في وزارات عديدة، وثمة الكثير من السجلات وآليات العمل التي تحتاج الفحص والتدقيق.
ولا تعترض س (رفضت ذكر اسمها) على كل ذلك، لكنها تتساءل: "ألم يكن ممكنًا أن يتم الفحص والمراجعة فيما العمل يسير، خدمة للناس الذين يحتاجون أوراقنا في كل معاملة من معاملاتهم اليومية؟". وتشير الموظفة إلى إرباك وفوضى بسبب هذا التوقف. فـ"يكاد المحتاجون إلى أوراق ثبوتية أن يتحولوا إلى متظاهرين يوميين".
هذا مجرد مثال على وضع عام تعيشه المؤسسات والدوائر الحكومية السورية هذه الأيام. وتقول الحكومة إنها استلمت مؤسسات ودوائر متهالكة ينخرها الفساد بلا كفاءة ولا إنتاجية، وإنها مضطرة إلى إعادة النظر في طريقة عملها وفي عدد ونوعية العاملين فيها، مؤكدةً عدم قدرتها على دفع مستحقات مادية لموظفين لا يعملون، أو هم غير موجودين من الأصل وهذا ما يندرج فيما يسمى بظاهرة الموظفين الأشباح.
من هم الأشباح؟
يتفنن السوريون في إطلاق توصيفات ساخرة على هؤلاء الذين يشكلون "جماعة الموظفين الوهميين"، فيسمونهم بـ"الموظفين الأشباح" أو "الموظفين الفضائيين"، والمقصود هو مصطلح يشير إلى الأفراد الذين يتقاضون رواتب من الدولة أو من مؤسسات حكومية، دون أن يكون لهم وجود فعلي في مكان العمل، أو دون أداء أي مهام وظيفية.
ويقول مسؤولون في الحكومة الجديدة إن وجود هؤلاء لا يقتصر على قطاع دون غيره، بل يشمل غالبية قطاعات الدولة، بينها الصحة والاتصالات والكهرباء والنقل والإعلام..
وكان وزير المالية السوري، محمد أبازيد، قد تحدث عن أن عدد الموظفين الوهميين (الأشباح) يصل إلى نحو 400 ألف شخص، فيما تعترف مصادر حكومية عديدة أنه لا وجود لحل سهل في هذه القضية، وأن الأمر يتطلب موارد مالية كبيرة لإيجاد معالجة معقولة لهذه المسألة الشائكة.
وتقول الحكومة إنها تحتاج إلى ما بين 500 ألف إلى 600 ألف موظف لأداء أعمال فعلية وحقيقية وبكفاءة جيدة، وهذا الرقم يصل إلى نصف رقم الموظفين الموجودين حاليًا. وقد فهم السوريون من هذا التصريح أن الحكومة في صدد فصل نصف العاملين في المؤسسات والدوائر، وبالفعل فقد تم فصل عدد من الموظفين ويبدو أن الدور قادم على آخرين كثر، لينطلق السؤال: إلى أين يذهب هؤلاء؟
رواتب وهمية أيضًا!
يتراوح متوسط راتب الموظف السوري بين 300 ألف إلى 450 ألف ليرة سورية شهريًا، أي ما يعادل 30 دولار (أكثر أو أقل قليلًا، وطبعًا يختلف التقدير حسب سعر الليرة مقابل الدولار)، وهو ما لا يكفي أسرة مكونة من أربع أفراد إلا لثلاثة أو أربعة أيام على أفضل تقدير. وللتوضيح أكثر، فإن الراتب بالكاد يكفي لشراء خبز طيلة الشهر، إذ تحتاج الأسرة المكونة من خمسة أفراد إلى 250 ألف ليرة للخبز فقط (سعر الربطة 4000 ليرة والربطة فيها 12 رغيف). وكذلك فالراتب بكامله بالكاد يشتري ثلاثة كيلوغرامات من اللحم على مدار الشهر (سعر الكيلو 100 ألف)، أو 2 كيلو من البن متوسط الجودة (150 ألف سعر الكيلو الواحد). وكذلك بإمكان حاجة الأسرة من زيت الزيتون أن تذهب بالراتب كله.. أما المفارقة الأكبر فهي أن موظف بهذا الراتب لا يستطيع الدخول إلى أي مطعم متواضع لدعوة أسرته أو أصدقائه إلى العشاء، وإذا غامر وذهب فهو بحاجة إلى أن يستدين ضعف راتبه!
ولا حاجة للحديث عن إمكانية الراتب لشراء ألبسة، حتى من البالة (مستعملة)، فسعر الجاكيت الواحد يصل إلى ضعف الراتب المتوسط (سعر الجاكيت بين 400 إلى 600 ألف).
في ظل واقع كهذا، فقد جاء إيقاف صرف الرواتب ليزيد من عمق المشكلة، فصار مئات الألوف من السوريين بلا مال يكفيهم لبضعة أيام حتى، وخاصة أن ذلك ترافق مع إيقاف إمكانية تحويل الأموال من الخارج، والحوالات كما هو معروف كانت هي المصدر الأول لعيش معظم السوريين.
الآن، بدأت الحكومة بإعادة صرف الرواتب لمعظم الموظفين لكن الحديث عن الزيادة 400 بالمئة تبخر فجأة، وكأن الحكومة ندمت على هذا الوعد بعد أن اكتشفت أنه غير ممكن حاليًا.. ما يبقي السؤال قائمًا: كيف ستتعامل الحكومة الجديدة مع حال الموظفين المأساوي؟
تقول الحكومة إنها لا تستطيع أن تحمل عبء الفساد الذي رسخه النظام البائد، والذي اعتبر التوظيف مكافأة لمواليه أو رشوة لمعارضيه المحتملين، فأثقل كاهل الدولة بجيش من البطالة المقنعة جاعلًا التوظيف بديلًا لمشاريع التنمية الحقيقية.
يتفق الكثيرون مع الحكومة في ذلك، ولكنهم يختلفون في طريقة الحل والتعاطي، فمن السهل فصل نصف مليون موظف وتخفيف عبء رواتبهم عن كاهل الحكومة، ولكن لهذا الأمر تبعاته الاجتماعية والسياسية فضلًا عن الاقتصادية.. فبذلك تكون الحكومة قد صنعت مظلومية جديدة، وخلقت جيشًا من الساخطين، وأرهقت المجتمع بمئات الألوف من العاطلين.
وهناك اقتراحات عديدة في هذا الصدد، فيقول البعض، مثلًا، أن تبقي الحكومة الوضع على حاله لأشهر قادمة، الموظفون على رأس عملهم، ورواتبهم جارية كما كانت بل ومع زيادة ولو طفيفة، وفي هذه الأثناء يصار إلى مراجعة شاملة، هادئة، وصامتة، وعندما تكتمل قاعدة البيانات، تقوم بإجراءاتها، خطوة خطوة، دون صدمات أو حلول جذرية دفعة واحدة.
يقترح آخرون أن تعطي الحكومة إجازة مفتوحة للموظفين الوهميين، مع دفع رواتبهم، وفي هذه الأثناء تدرس وضعهم وسبل التعاطي معهم.
والأهم يطالب الجميع بحل سريع لرواتب الموظفين المتقاعدين، فهذه المسألة ليست ذات بعد اقتصادي وحسب، بل لها أبعاد سياسية واجتماعية رمزية، وهي مؤشر مهم على قدرة الدولة الجديدة على تحمل مسؤولياتها إزاء مواطنيها.
الكلمات المفتاحية

خطط لرفع الإنتاج والتصدير.. الفوسفات السوري يعود إلى واجهة الاستثمار
تعود اليوم صادرات الفوسفات السوري إلى الواجهة ضمن خطط استثمارية جديدة تهدف إلى مضاعفة الإنتاج وتنشيط التصدير

الدراجات النارية تزعج أهالي درعا وتهدد حياة أطفالهم
لم تعد هذه الظاهرة سلوكًا فرديًا طائشًا بل تصاعدت مع تجول مئات الشبان على دراجاتهم دون أدنى مسؤولية أو مراعاة لسلامة الأهالي

شمال شرق سوريا.. استمرار انقطاع الاتصالات وسط صمت رسمي
تجاوز انقطاع خدمات الاتصالات الخلوية في شمال شرق سوريا شهره الثاني، وسط غياب أي توضيح رسمي

من بينها سوريا.. مذكرة أميركية تمهّد لتوسيع حظر السفر
تعتزم الولايات المتحدة توسيع نطاق قيود السفر لتشمل مواطني 36 دولة إضافية، من بينها سوريا ومصر ودول آسيوية وإفريقية وكاريبية

من الأنقاض إلى الأمل.. مشروع إعادة تدوير الركام في الشمال السوري
في شمال سوريا، حيث خلّفت الحرب دمارًا هائلًا في البنية التحتية والمجتمعات، انطلق مشروع مبتكر لإعادة تدوير الركام،

احتفالية رسمية لتكريم الرياضيين السوريين بعد إنجازات دولية لافتة
كرّمت وزارة الرياضة والشباب 24 بطلًا سوريًا حققوا إنجازات دولية منذ مطلع العام

البحوث الزراعية: 24 صنفًا جديدًا من القمح في سوريا وسلالات مقاومة للجفاف والملوحة
تواصل الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية جهودها لتعزيز إنتاج القمح واستنباط أصناف تتحمل الظروف المناخية الصعبة