الجيش الجديد في سوريا: من تفكك القوة إلى تأسيس السيادة
19 يونيو 2025
لم يكن ما جرى في سوريا خلال الأشهر الأخيرة مجرد انقلاب في الحكم أو تغيير جديد في الوجوه السياسية، بل كان نوعًا من الانهيار العنيف للبنية التي تشكلّت عليها الدولة نفسها. إذ تفرّغت الدولة منذ سبعينيات القرن الماضي، من مؤسساتها ومضمونها ، وتم اختزالها في أجهزة أمنية معزولة عن المجتمع، في الوقت الذي حُوِّل فيه الجيش إلى أداة منفذة لأوامر السلطة، لا إلى حام للوطن وسيادته. ومع تزايد هذا التآكل البنيوي، تحولت المؤسسة العسكرية من ركيزة وطن إلى أداة سلطة، تمهيدًا لانهيار أكبر لم يقتصر على مركز القرار، بل شمل بنيان الدولة نفسه سياسيًا وإداريًا وعسكريًا.
وفي ظل هذا التصدع العميق، لم تعد قضية "بناء جيش وطني جديد" مجرد مسألة هيكلية أو إدارية، بل غدت مرآة تعكس السؤال الأوسع: ما شكل الدولة التي يمكن أن تحتضن هذا الجيش وتعيد إليه وظيفته الوطنية؟ وهل يمكن بالفعل تأسيس بنية عسكرية جامعة في بلد مزّقته التعددية المسلحة والانقسامات الهوياتية؟ وكيف تتحول المؤسسة العسكرية من إرث سلطوي إلى أساس لوحدة سيادية جديدة؟
تشظي المرجعيات العسكرية وتحديات التوحيد: نحو نواة جيش جامع؟
يتجلى التداخل الشائك بين السياسي والعسكري باعتباره إحدى أبرز المعضلات التي تعرقل بناء مشروع وطني متماسك. فالسنوات العشر الأخيرة شهدت ولادة عشرات الفصائل المسلحة، التي نشأت بداية بدوافع دفاعية محلية، لكنها ما لبثت أن تشظّت نتيجة للتمويل الخارجي وتبدل الأولويات السياسية.
ولقد عجزت هذه الفصائل والتشكيلات، حتى وقت قريب، عن تشكيل نواة موحدة لمؤسسة عسكرية جامعة، في ظل غياب مرجعية متفق عليها. ولكن التطورات الأخيرة نتيجة الضغوط الدولية كشفت عن إشارات، وإن كانت محدودة، تشير إلى بداية تحوّل محتمل في هذا المسار، كان أبرزها انعقاد مؤتمر "النصر"، الذي جمع عددًا من الفصائل الأساسية في محاولة لتوحيد الخطاب السياسي والعسكري، ولو على مستوى تنسيقي في هذه المرحلة التمهيدية. مع العلم بأن المخرجات العملية للمؤتمر بقيت في حدود الرمزيات، إلا أنها تعكس تغيرًا في ملحوظا نحو تقليل التشرذم، وحقن الدماء، وربما البحث عن نقطة ارتكاز وطنية مشتركة مستقبلا. وإذا ما تم استثمار هذا الزخم بحكمة، فقد يشكل ذلك الخطوة الأولى نحو إعادة بناء مرجعية سيادية تعيد الاعتبار لفكرة الجيش الوطني الواحد.
وقد بدأ هذا التحول يأخذ شكلًا ميدانيًا ملموسًا من خلال التشكيل الجزئي للجيش الجديد، الذي يُتوقع أن يصل قوامه إلى نحو 200,000 جندي. كما تشير التقارير الإعلامية إلى أنه تم حتى الآن تجنيد ما يقارب النصف، وفق هيكلية هرمية تنظم الجيش إلى فرق عسكرية، تتفرع منها ألوية متنوعة تشمل المشاة، المدرعات، القوات الخاصة، ووحدات متعددة المهام. ويعكس هذا التوزيع محاولة مبكرة لتوحيد النسيج العسكري على أسس مهنية لا طائفية كما تم إعلانه في اللائحة الأخيرة التي خرجت من قبل وزارة الدفاع السورية ، خاصة وأن التشكيل الجديد يضم نحو 30,000 عنصر من الجيش الوطني المدعوم تركيًا، إلى جانب حوالي 15,000 مقاتل من "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ذات الغالبية الكردية، والتي يبدو بأن الحكومة المؤقتة تتجنب التصادم معها تخوفًا من عرقلة الدعم العالمي وتحديدًا الولايات المتحدة الأميركية التي تلعب دورًا محوريًا في دفع الطرفين إلى إيجاد صيغة توافقية لا تغضب الجانب التركي، وهو ما يشير إلى انفتاح غير مسبوق نحو تجاوز الانقسامات الهوياتية والمناطقية وبعقلية براغماتية تقودها الحكومة السورية المؤقتة إلى الآن بالكثير من الحذر والحكمة.
وفي خطوة رمزية تعبّر عن هذا التوجه الجامع، تمّ إسقاط توصيف "العربي" من لائحة قواعد السلوك والانضباط العسكري، لتبني بذلك صيغة أوسع تحتضن التنوع الإثني والمناطقي، وتؤسس لعقيدة وطنية جديدة غير حصرية. لكن تبقى المسألة الجوهرية التي تطرح نفسها بقوة: هل ستتحاصص هذه القوى مواقع النفوذ تحت مسمى وزارة الدفاع، أم أنها ستنصهر فعلًا في بنية جيش وطني حقيقي؟
إن السيناريو الذي بدأت ملامحه بالتشكل لا يتجه نحو تقاسم النفوذ وفق آليات المحاصصة التقليدية، بل يمكن قراءته بأنه يسعى، وإن ببطء، إلى خلق مسار تراكمي يسمح بتحويل التنوع العسكري القائم إلى بنية وطنية موحدة. فبدل أن تُقسَّم الوزارة إلى حصص تُدار فيها الولاءات، يجري العمل على تأسيس جسم عسكري قائم على قاعدة التوافق الوطني، حيث تُدمج الفصائل المسلحة ضمن هيكل مؤسسي مشترك، ويعاد تعريف وظيفتها ضمن إطار عقيدة قتالية جديدة تُؤمن بمركزية القرار ووحدة القيادة. هذا التحول يتطلب، بطبيعة الحال، بناء أرضية حوار سياسي–عسكري شامل تُشارك فيه القوى الرئيسية، ويليه تشكيل هيئة انتقالية مختلطة من شخصيات عسكرية ومدنية تتمتع بشرعية توافقية، لا سلطوية، ما يضمن إعادة هندسة الجيش كأداة للدولة لا كأداة لفصيل أو جهة.
التحول الدولي وشرعنة "الأجانب": احتواء لا إقصاء
تغيّر الموقف الدولي من مسألة "المقاتلين الأجانب"، والتي طالما اعتُبرت خطًا أحمر لا يُمكن تجاوزه في أي عملية بناء شرعي للمؤسسة العسكرية. فقد قبلت الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية مؤخرًا بدمج عناصر غير سوريين ضمن تشكيلات الجيش الجديد، شريطة التزامهم بتسلسل قيادي موحّد وخضوعهم لمراقبة سياسية مركزية. وقد جسّد ذلك تشكيل لواء يضم نحو 3,500 مقاتل من الإيغور، بات جزءًا رسميًا من الهيكلية الجديدة، ما يشير إلى مقاربة براغماتية لا تختلف عن تعاملها مع باقي الفصائل السورية، وترى أن معالجة التطرّف تتم من داخل المؤسسة، لا من خارجها.
النية الأساسية من هذا الدمج هي احتواء الفصائل الأكثر صلابة ضمن منظومة وطنية، ولكن من المشروع طرح تساؤلات حول المخاطر المحتملة لهذا التوجه والقدرة على مواجهتها. بمعنى إلى أي مدى يمكن ضمان أن يتحول هذا الاندماج إلى انصهار فعلي، لا إلى وجود موازٍ داخل بنية الدولة؟ وكيف يمكن التحقق من أن هذه المجموعات، التي تشكلت في ظروف خارجة عن الإطار المؤسسي، قد تخلت فعلًا عن ولاءاتها العابرة للحدود، سواء كانت دينية أو عرقية أو تنظيمية؟
قد تنشأ في المستقبل ملامح ولاء مزدوج أو متنازع عليه، خاصة إذا لم يُقترن الدمج بإعادة تأهيل فكرية وأمنية صارمة، تُعيد تعريف الانتماء داخل المؤسسة الجديدة من ناحية، ومن ناحية أخرى ضرورة إيجاد آليات عمل فعّالة في تفكيك هذه الفصائل ضمن القطع والتشكيلات العسكرية الأخرى، وعدم السماح لهم بالبقاء بهذا الشكل الحالي كفصيل مستقل داخل جسد المؤسسة. فالتاريخ القريب حافل بالنماذج التي تحولت فيها الكيانات المقاتلة المدفوعة بخلفيات إيديولوجية إلى نقاط اختراق داخل الدولة نفسها. ولعل التجربة العراقية بعد الغزو الأميركي تقدم مثالًا حيويًا: فبعد دمج بعض فصائل "الصحوة" ضمن المنظومة الأمنية، تبيّن لاحقًا أن غياب التوافق السياسي والتأطير المهني حول هذا الدمج حوّله إلى أداة نفوذ أكثر منه حجر بناء مؤسساتي مستقر.
ومع ذلك، فإن إمكانية احتواء هذه التحديات تظل قائمة، بشرط أن لا يُنظر إلى عملية الدمج كحل إداري فقط، بل كمشروع مركّب يتطلب إعادة صياغة الانتماء من جذوره. في البوسنة والهرسك، تم تفكيك التهديد المحتمل عبر فرض خيارات صارمة، إما مغادرة البلاد أو الخضوع التام لإعادة هيكلة تحت إشراف دولي مباشر. وفي الحالتين، لم يكن الهدف فقط تقليص عدد البنادق، بل خلق بيئة أمنية ترى في الولاء الوطني أساس وجودها، لا مجرد امتداد لمعارك سابقة.
في السياق السوري، يبقى الرهان الحقيقي في تحويل هذه العناصر من عبء محتمل إلى رصيد دفاعي، عبر إخضاعهم لتسلسل قيادي لا يترك مساحة للهويات المستقلة أو الولاءات الموازية. فطالما بقيت المؤسسة الجديدة واضحة في عقيدتها، صارمة في وحدتها، ومرتبطة بمشروع سياسي وطني قابل للتوافق، فإن الدمج يمكن أن يتحول من مخاطرة إلى فرصة، ومن تسوية مؤقتة إلى ركيزة لاستقرار طويل الأمد.
التمويل والولاء: الرواتب كأداة لإعادة هندسة الانتماء
في مسار تشكيل مؤسسة عسكرية مستقرة تُعد قضية الرواتب حجر زاوية ، إذ يتراوح دخل العسكريين في الجيش الجديد كما ذكرت التقارير بين 150 إلى 500 دولار أميركي شهريًا، تبعًا للرتب والمواقع الجغرافية. غير أن هذه الرواتب، رغم أنها تظهر كتحسين مادي عن الفترات السابقة يمكن أن يسد بابًا من أبواب الفساد المتمثل بالمحسوبيات والرشاوي، لا تزال تثير التساؤل الأهم عن مصادر التمويل ولمن تخضع بشكل مباشر، وكيف تُصرف، فهذه المعطيات، وإن بدت للوهلة الأولى محاولة لتوفير استقرار إداري في مرحلة انتقالية، إلا أنها تنطوي على مخاطر بنيوية أخطر من باب الفساد سابق الذكر وتُحاكي، بطرق مختلفة، التجربة السابقة التي حولت الرواتب من وسيلة لضمان الأمن الاجتماعي إلى أداة لضبط الولاء السياسي داخل الجيش، إن لم تتمتع بقدر كاف من الشفافية التي تجيب عن مصادر التمويل وآليات الصرف، وستكون إحدى التحديات التي لا يمكن تجاوزها.
ويعلم السوريون بالطريقة الأكثر ألمًا كيف استخدم النظام السابق – بقيادة بشار الأسد ووالده قبله – الرواتب والامتيازات العسكرية ليس فقط كتعويضات مالية، بل كأدوات لإعادة إنتاج شبكة الولاءات الضيقة التي ضمنت بقاء السلطة، ولو على حساب دم السوريين وتفكك المؤسسة نفسها من الداخل. حيث كان "التحفيز المالي" في تلك التجربة مشروطًا بالانصياع، لا بالأداء، وبالولاء، لا بالانتماء الوطني. وهو ما فتح الباب أمام الفساد والمحسوبيات، وشكّل بنية موازية لقيم الانضباط والكفاءة.
اليوم، ثمة خطر حقيقي في أن تُعاد صياغة هذا المشهد ذاته، ولكن بأدوات جديدة. فمصدر الرواتب الحالي، الخاضع لسلطة الحكومة الانتقالية، قد يُنتج ولاءات موضعية، ويؤسس لجيش يتبع خطوط تمويله، لا مركز قراره الوطني. هذه الولاءات لا تنشأ فقط من قناعة فكرية أو تنظيمية فقط، بل تتغذى على الحاجة، والراتب إن كان مرهونًا بجهة تسيطر على موارد التمويل دون رقابة وطنية أو دولية حتى في الوقت الراهن، فإن الأرضية مهيّأة لخلق شكل مستتر من التبعية السياسية والاقتصادية داخل الجسم العسكري.
ورغم هذا التخوف، فإن القبول بهذا النمط كحالة مؤقتة من التمويل لا يعكس بالضرورة غياب الوعي بهذه التحديات، بل يمكن النظر لجانب منه كاستجابة واقعية لإكراهات اللحظة الانتقالية. فالحكومة السورية المؤقتة، بحسب ما هو مُعلَن من دوائرها، منحت نفسها مهلة زمنية تقارب ستة أشهر، كحد أقصى، قبل الانتقال إلى خطوة تأسيس آلية تمويل مركزية وطنية. ويأتي هذا التأجيل ضمن منطق "الواقعية المرحلية"، حيث لا تزال الدولة في طور التشكل، والبنية المؤسسية لم تكتمل بعد بما يسمح بإدارة مالية مركزية شفافة وفعالة.
والمُخطط، وفق التصور الحكومي، أن يُستتبع هذا التمويل المركزي بمنظومة متكاملة تشمل صندوقًا سياديًا مؤقتًا، يخضع لرقابة مزدوجة: داخلية من مجلس رقابي مدني–عسكري، وخارجية من شركاء دوليين داعمين للاستقرار، لضمان النزاهة والشفافية. والهدف هنا ليس فقط تحصين الجيش من الابتزاز المالي أو السياسي، بل إعادة تعريف مفهوم الراتب نفسه: من مكافأة على الولاء، إلى حق ضمن عقد وطني عادل. وعليه، يُفترض أن يترافق ذلك مع إدخال نظام حماية اجتماعية للمقاتلين وأسرهم، يعزز من الشعور بالأمان الوظيفي والانتماء المؤسساتي، ويفصل بين الحقوق المادية والانخراط في منطق الفصائلية أو المحسوبية.
القيادة العسكرية الجديدة: بين الحاجة للتماسك ومخاطر التمركز
يدير التخطيط العسكري في الهيكلية الجديدة شخصيتان بارزتان تم تعيينهما مطلع هذا العام: وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، ورئيس هيئة الأركان علي نورالدين النعسان، وكلاهما كما هو معلوم من الدائرة المقربة للرئيس أحمد الشرع . ورغم ما قد توفره هذه المركزية من انضباط وثقة بين الأطراف في قمة الهرم والمسيطرة في هذه المرحلة التأسيسية الحساسة، إلا أن هذا التمركز في القرار يطرح تخوفات عميقة حول طبيعة التوازن الداخلي في المؤسسة العسكرية الناشئة، ومدى تمثيلها الفعلي لمكونات المجتمع السوري المتعدد.
ففي السياقات الانتقالية التي تشهد إعادة ترتيب الأوراق وتشكيل المؤسسات، تُعد مسألة القيادة العسكرية أكثر من مجرد توزيع وظيفي، بل مؤشّر حقيقي وجوهري على نوع الدولة التي تُبنى. فالاقتصار على قيادة نابعة من دائرة ضيقة مرتبطة برأس الهرم السياسي، يُنذر بتحول الجيش الجديد إلى أداة أخرى في يد سلطة مركزية، ما يتعارض مع الروح الوطنية التشاركية التي يُفترض أن يقوم عليها المشروع العسكري الجديد.
التشكيلات القيادية في هذه المرحلة لا يجب أن تُقرأ فقط بصفتها كفاءة عسكرية أو قربًا سياسيًا، بل بوصفها حلًا توازنيًا دقيقًا بين الشرعية الممنوحة والتمثيل المعبر عنها، أي بمعنى آخر كلما اتسعت دائرة التمثيل، وهو ما يجب أن يتم، كلما ترسخت الشرعية بشكل أعمق وأوسع. فحتى الشخصيات الأكثر انضباطًا عسكريًا، إذا لم تحظَ بقبول مجتمعي – فصائلي واسع، قد تتحول إلى عناصر تصادم بدل أن تكون عناصر توحيد. لذا النظر إلى بنية قيادية هجينة في هذه المرحلة – لا على أساس محاصصة – بل ضمن منطق الشراكة السيادية، حيث يشارك في صناعة القرار العسكري شخصيات تمثل الجغرافيا والمكونات والمرجعيات المختلفة، بما يضمن أن تكون القيادة انعكاسًا لوحدة الواقع، لا فرضًا فوقيًا عليه، قد يكون جزءًا من الحل الذي لا يمكن تجاهله.
فإذا كان مشروع الجيش الجديد يسعى فعلًا إلى تجاوز تركة الانقسام والسلطوية، فإن إعادة تعريف مركزية القرار لا بد أن ترتبط بمنظومة رقابة مدنية مستقلة عبر المؤسسات المسؤولة عن هذه العملية، مع مجلس عسكري – مدني مشترك، يتولى مراجعة القرارات الكبرى ويضمن عدم انفراد جهة واحدة بإنتاج القرار العسكري. فإن كانت مركزية القرار ضرورة تكتيكية، فتشارك القرار هو ضمان استراتيجي لبقاء الجيش كأداة سيادة وطنية، لا كنسخة معدّلة من أدوات السلطة السابقة.
الجيش كميزان للسيادة ومؤشر على شكل الدولة المقبلة
في هذا السياق المعقد من التشظي والتجميع، تصبح المؤسسة العسكرية الناشئة بمثابة مرآة تعكس ما إذا كانت الدولة القادمة قادرة فعلًا على الانتقال من منطق الانقسام إلى منطق الوحدة. فبنية الجيش ليست مجرد انعكاس لقوة مركزية، بل اختبار حقيقي لقدرة السوريين على صياغة تصور جامع للقوة والسيادة، يتجاوز الاعتبارات الفصائلية والجهوية والطائفية نحو مفهوم الدولة بصيغتها الحديثة. وإذا كانت تجارب الجوار العربي تقدم مشاهد تحذيرية لما قد يحدث حين يُفكك الجيش أو يُعاد بناؤه دون رؤية شاملة، فإن ما يحدث في سوريا اليوم يقف على حافة هذا الامتحان الدقيق.
لكن هذه المشاهد ليست قدَرًا محتومًا، بل أدوات إضاءة، تؤكد أن أي مسار لإعادة تشكيل الجيش السوري لا يمكن أن ينجح إذا عُزل عن عملية سياسية شاملة تعيد تعريف مركز السيادة ومصدر الشرعية. فالمؤسسة العسكرية ليست جزيرة تقنية يمكن بناؤها بمعزل عن البحر السياسي المحيط بها، بل هي انعكاس عضوي للعقد الاجتماعي الذي يُفترض أن يُعاد إنتاجه بعد الحرب. وفي هذا العقد، لا يجب أن يُنظر إلى الجيش كأداة أمنية أو حارسة للسلطة، بل كترجمة فعلية لوحدة الناس على هدف مشترك، تحكمه سلطة مدنية منتخبة، وتضبطه منظومة قانونية ومؤسساتية قادرة على المساءلة.
إن فشلنا في هذا الاختبار، فإن الجيش، مهما بدا موحدًا شكليًا، سيظل محكومًا بخطوط الانقسام التي ولد منها. أما إذا نجحنا في إعادة تعريفه كمؤسسة سيادية لا تنتمي إلى أحد بعينه، بل إلى الدولة بمفهومها الجامع، فإننا لا نكون فقط قد بنينا جيشًا، بل وضعنا حجر الأساس لدولة قابلة للحياة. فالسؤال الذي يطرحه الجيش ليس تقنيًا، بل هو سؤال وجودي: من يملك القوة، ولماذا، ولأي مشروع تنتمي؟ والإجابة التي سنبنيها على هذا السؤال هي التي ستحدد إن كنا نتجه نحو سوريا موحّدة، أم نحو تجزئة مستدامة بأدوات مزيّفة من الوحدة.
الكلمات المفتاحية

الهوية البصرية الجديدة: أين البصمة السورية؟
لشعار الجديد، باعتباره أهم عناصر الهوية البصرية، غير أصيل ولا يحمل هوية أو مرجعية فنية محلية

ما الذي ينتظر السويداء بعد الدخول العسكري؟
استيقظت السويداء صباح اليوم على إعلان رسمي بفرض حظر تجوال شامل، بالتزامن مع بدء قوات وزارتي الدفاع والداخلية دخول مركز المدينة

لماذا تعتمد الحكومة السورية على التسريبات في الرد على استفسارات المواطنين؟
لاحظ الكثير من المراقبين أن الحكومة الجديدة تلجأ بشكل متكرر إلى "تسريبات" غير رسمية أو تصريحات غامضة

وزارة النقل توضح أسباب وقف استيراد السيارات المستعملة
كشفت وزارة النقل السورية عن الأسباب التي دفعتها إلى اتخاذ قرارها الأخير، الذي يقضي بإيقاف استيراد السيارات المستعملة

مجموعة "بريكس" تدين احتلال إسرائيل أراضٍ جديدة في سوريا وتدعم وحدتها
أدانت الدول الأعضاء في مجموعة "بريكس" احتلال إسرائيل لأجزاء جديدة من الأراضي السورية، داعية إياها إلى الانسحاب منها بشكل فوري

بعد تحقيقهما العلامة الكاملة.. انطلاقة قوية للكرامة وأهلي حلب في "بلاي أوف" الدوري الممتاز
أسفرت نتائج الجولة الأولى عن تحديد ملامح الصراع على اللقب بعد أن حقق الكرامة وأهلي حلب العلامة الكاملة

استخراج مكتبة مدفونة منذ 10 سنوات في دير الزور لحمايتها من نظام الأسد
تداول نشطاء على منصات التواصل مقطعًا مصورًا يُظهر لحظة استخراج نحو ألفي كتاب كانت مخبأة تحت الأرض في قرية التبني بريف دير الزور