سوق الأربعاء في القامشلي.. مكان تستمر فيه الحياة ويتجدد الأمل

في صباح كل أربعاء، يتحول أحد أحياء مدينة القامشلي إلى ساحة تعج بالحركة والضجيج. البسطات والعربات المتنقلة تملأ المكان، وأصوات الباعة تعلو في كل زاوية. هنا، حيث كل شيء معروض للبيع: أقمشة رخيصة، أكياس سكر معبأة يدويًا، معلبات مجهولة المصدر، خضروات متنوعة، وأحذية بلا علامات تجارية. هذه البضائع تُعرض بأسعار منخفضة، ما يجعل السوق ملاذًا لا غنى عنه للكثيرين.

الزوار الذين يتوافدون من مختلف الأعمار لم يعد يشغلهم السؤال عن مصدر هذه البضائع بقدر ما يهتمون بكلفة شرائها. فالأهم هو أن تكون الأسعار في متناول اليد، لا سيما مع الظروف الاقتصادية القاسية التي تجعل من الأسواق الرسمية خيارًا بعيد المنال بالنسبة للكثيرين.

أسواق شعبية في مناطق أخرى

ما يحدث في سوق الأربعاء في القامشلي ليس محصورًا في هذه المدينة فقط، بل هو جزء من ظاهرة شائعة في شمال شرق سوريا. ففي كل مدينة من هذه المنطقة، هناك يوم مخصص للسوق الشعبي. في "كركي لكي" يُقام "سوق الاثنين"، وفي المالكية (ديرك) يُسمى السوق بـ"سوق الخميس". يتكرر المشهد ذاته في هذه المدن وغيرها من المدن وبلدات شمال شرقي سوريا، حيث تملأ الأسواق الشعبية الشوارع وتستقطب الآلاف من سكان المناطق المحيطة.

هذه الأسواق، التي تختلف أيامها من مدينة لأخرى، أصبحت جزءًا أساسيًا من حياة الناس اليومية. ومن الملاحظ أن هذه الأسواق تتيح فرصًا للحصول على السلع بأسعار أرخص من تلك المتوفرة في الأسواق الرسمية. كما أنها تمثل مساحة للقاءات الاجتماعية والتبادلات التجارية التي قد تكون محدودة في أماكن أخرى.

الأسعار أولًا

تقول فاطمة العلو، وهي تتفحص عبوة زيت تحمل كتابة بلغة غير مفهومة: "لا يهمني من أين جاءت... الأهم أن يكون السعر مناسبًا". وتضيف بحسرة: "بهذه الأسعار... الأسواق المركزية لم تعد لنا".

ما يحدث في سوق الأربعاء في القامشلي ليس محصورًا في هذه المدينة فقط، بل هو جزء من ظاهرة شائعة في شمال شرق سوريا

مثلها، يعيش الكثيرون في القامشلي، وكركي لكي، والمالكية، وغيرها من المدن التي تحتضن أسواقًا شعبية مشابهة. مع ارتفاع الأسعار في الأسواق الرسمية، أصبحت هذه الأسواق البديل الوحيد لأصحاب الدخل المحدود.

الباعة والزبائن.. حكايات يومية

في سوق الأربعاء، يلتقي الباعة بالزبائن وسط الزحام والضجيج. أبو خالد، الستيني القادم من ريف الحسكة، ينادي بأعلى صوته: "كيلو الشاي بألفين... أرخص من السوق وأطيب". ويضيف: "لي خمس سنوات في هذا السوق... الناس يأتون للبحث عن الرخص. لم يعد يهمهم اسم الماركة ولا مصدر البضاعة... يشترون ما يسد رمقهم".

وبينما يبتسم بحذر عند سؤاله عن مصدر بضائعه، يدرك الجميع أن الحديث عن ذلك أصبح أمرًا ثانويًا في ظل الظروف الصعبة. على الجانب الآخر من السوق، يجلس محمد، أب لثلاثة أطفال، يبيع جوارب وألعابًا بلاستيكية. يقول: "في هذا السوق، لا أحد يحكم عليك.. البضاعة ببساطتها تعبر عنا".

السوق بالنسبة له ليس فقط مصدرًا للرزق، بل هو جزء من مجتمع صغير يساعده على البقاء في ظل عالم سريع التغير. "الجميع هنا يملك همًا واحدًا... كيف ينجون إلى اليوم التالي"، يضيف.

السوق بين الأمل والجهد

مع غروب الشمس، تبدأ أصوات الباعة بالتلاشي، وتتكوم البضائع مجددًا فوق العربات. الباعة يربطون عرباتهم بحبال مهترئة، والجميع في عجلة من أمرهم، كأنهم يهربون من يوم مضى. لكن، مع كل أسبوع، يعود السوق لينبض بالحياة مجددًا، في ذات المكان.

تظل الحكايات المعلقة بين الجهد والأمل، يتردد صداها بين الزبائن والباعة. رغم كل التحديات، يظل السوق مكانًا يتجدد فيه الأمل، وتستمر الحياة.