ثقافة وفنون

صالون دمشق السينمائي: قراءة في بدايات الزبيدي وملص وأميرلاي

25 مارس 2025
محمد ملص، عمر أميرالاي، قيس الزبيدي
محمد ملص، عمر أميرالاي، قيس الزبيدي (مواقع التواصل/ الترا سوريا)
بديع صنيج
بديع صنيجصحفي سوري مهتم بالشأن الثقافي والاجتماعي

تحت عنوان "من التجارب الأولى"، عرض صالون دمشق السينمائي في غاليري زوايا أربعة أفلام وثائقية قصيرة شكَّلَت الصفحات الأولى في السِّيَرة السينمائية لثلاثة مخرجين تركوا بصماتهم الواضحة، على اختلاف رؤاهم، وهم: قيس الزبيدي ومحمد ملص وعمر أميرلاي.

ابتدأ العرض بفيلم "بعيدًا عن الوطن" (1969) وهو أولى تجارب قيس الزبيدي الإخراجية، والذي وثق فيه مأساة الفلسطينيين في مخيم اليرموك بلغة بصرية فريدة، استطاعت تحويل المَشاهِد إلى تجربة حسية استثنائية، عبر انتقالها من عين المخرج إلى الكاميرا لتتفاعل بعدها مع المتفرِّج وأفكاره، متحوِّلةً في النهاية إلى ذاكرة حيَّة تنتج المعنى وتضمن ديمومته. 

لم يتبع الزبيدي قواعد تقليدية في سرده التسجيلي، إذ لا قصة واضحة ولا شخصيات تتطور عبر الزمن، بل مجرد التقاطات إنسانية حياتية لسكان المخيم، تبدأ بزخم بصري مصحوبًا بأصوات الرصاص، لتتباطأ القطعات المونتاجية خلال تصوير المخيم ككائن حي، ممتلء بضحكات الأطفال ولعبهم المستمر، وللنساء يخبزن على الصاج، وللغسيل يتطاير على حبال الخيم، ويتخلل ذلك حوار حميمي مع بعض الأطفال بكاميرا منخفضة كأنها تعاين القلق الوجودي للسكان، وكنوع من الخجل أمام مأساتهم. 

وهو ما دفع الزبيدي ليضع الأطفال في موقع المُشاهد نفسه، بالتزامن مع موسيقى حساسة لعمق الحالة الشعورية التي تُعيد وضع الأطفال أمام واقعهم الأسود، وبألحان متقطعة وإيقاع بطيء يُبرز البرود في حياة المخيمات.

سيمفونية الألم

أما ثاني تجارب الزبيدي السينمائية فكانت فيلم "الزيارة" التجريبي الذي مزج فيه عدة عناصر فنية: الشعر والرسم والفوتوغراف والموسيقى والبانتوميم، واستطاع من خلالها أن يكوّن رؤيته لذاك الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وميكانيزمات المقاومة الآسرة.

يبدأ الشريط بمقطع من قصيدة "رسالة من المنفى" لمحمود درويش، وتحديدًا "هل يذكر المساء/ مهاجرًا أتى إلى هنا ولم يعد إلى الوطن/ هل يذكر المساء/ مهاجرًا مات بلا كفن؟"، وينتهي بنص من "يوميات جرح فلسطيني" التي يقول فيها: "كل من ماتوا، ومن سوف يموتون على باب النهار/ عانقوني، صنعوا مني.. قذيفة"، وبين هذين المقطعين تتصعَّد سيمفونية الألم لذاك الفلسطيني العائد إلى بيته، والذي يمنعه الاحتلال من ذلك، ليرصد المخرج تداعيات انتظار للزوجة والابنة.

رمزية وغرائبية

وبين الرمزية في أشعار درويش وسميح القاسم ومقابلاتها في لوحات نذير نبعة وصُور جورج لطفي الخوري، تتفعَّل الحكاية وتخرج عن سياقاتها السردية التقليدية، يدعمها في ذلك نوعان من الموسيقى، مختلفان في سياقاتهما لكل من صلحي الوادي وسهيل عرفة، في إشارة إلى الغربة الهائلة التي تصيب الشخصيات في محاولات تلاقيها. 

وفي خضم هذه الأجواء الغرائبية، تتوجه بنادق الاحتلال نحو الفلسطيني الذي يصبح مُحاصرًا من كل الجهات، فيرفع رأسه إلى الأعلى كنوع من المناجاة للخلاص من هذا المأزق الوجودي المستمر، ثم نرى محاولاته المتكررة للهرب نحو دائرة من الضوء، وكأن ذلك رفض للظلام الدامس ولقسوة الظلم، والذي لا يصلح معه إلا عدم الإذعان لصفارات الجنود الإسرائيليين والفرار من رجسهم.

كما يتكرر مشهد قتل المرأة التي تقوم من جديد إمعانًا في الصمود والمقاومة ورفض الموت المفروض عليها، ويتعزز ذلك مع نظرتها الحانية إلى ابنتها المريضة، إذ إنها ترفض السقوط إلا بعد الاطمئنان عليها.

ويمكن تلخيص رسالة الفيلم ببيت الشعر "هنا سفر تكوينهم ينتهي/ هنا سفر تكويننا في ابتداء" الذي جاء بعد مشهد لإصبع الإسرائيلي على زناد الموت، بمعنى الرفض لادعاءات المحتلين وكشف زيفها. 

أي أن فيلم "الزيارة" زاخر بالكلام رغم خلوّه من أي حوار منطوق، إذ يعتمد على لغة خاصة تجدل بين أداء الممثلين والشعر والفن التشكيلي والموسيقى. 

التقاط روح المدينة

أما الفيلم الثالث الذي عرضه صالون دمشق السينمائي فهو "القنيطرة 74" والذي استهل به محمد ملص مسيرته السينمائية، ومن خلاله أبرز تفرُّده، مستفيدًا من شاعريته وولعه بنوع خاص من السرد، مكّنه من الذهاب إلى مدينته بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر، ورصد ملامحها بعين مغايرة، جاعلًا منها سينوغرافيا ثرية، تتجول فيها شخصية الفيلم الرئيسية (نائلة الأطرش) باحثةً عمَّن هُجّروا قسرًا، عن أصواتهم وذكرياتهم وسط هذا الدمار الهائل، في محاولة لالتقاط روح المدينة، بعيدًا عن الجنائزية أو الشعاراتية السياسية، وقريبًا جدًا من نبض الناس المتألمين وأشجانهم.

ولتحقيق ذلك، سخّر صورة شاعرية تتأسس على حميمية العلاقة مع الموضوع بغية إنباته من جديد ضمن ما أسماه ملص ذات مرة "الذاكرة المشتهاة"، وهو ما استتبع مزاوجته بين الواقعية والرمزية، بين الموضوعي والذاتي، بين الحساسية الشعرية والتقريرية السياسية، وصهرها جميعها في سرد سينمائي فريد، إذ جعل الكاميرا تركض مع الأطرش في بحثها، وأحيانًا تصبح الكاميرا عينيها وهي تتجوَّل في معالم الدمار الذي عمَّ المدينة، وفي حوار بين الممثلة مع امرأة خرساء رفضت أن تترك بيتها، تتأجج الرغبة في إعادة الحياة إلى المنزل المُهدَّم، عبر إزالة الركام والدُّشَم التي تغطي النوافذ والأبواب، وصولًا إلى هناءة الاستلقاء على أرض البيت، باعتباره الرمز الأكثر حميمية للوطن. 

مونتاج ذكي

فيلم "محاولة عن سد الفرات" لعمر أميرلاي هو توثيق لبدايات التحول نحو التغيير الإيجابي المزعوم في سوريا، المتمثلة بذاك السد وما يمكن أن يجلبه مستقبلًا من انتعاش اقتصادي وزراعي، لكن أميرلاي خلال رصده للعمال والرافعات والجرافات أثناء اشتغالاتها في البناء، آثر أن يصور واقع الحياة في القرى المحيطة، والجفاف الذي أصابها، وأصاب سكانها أيضًا، فضلًا عن التغيرات التي فرضها ذاك الإنجاز البعثي على المجتمع البسيط في تلك المنطقة الشرقية من سوريا. 

وإلى جانب ذلك فإنه عبر مونتاج ذكي بات يُلوِّح للعلاقة بين الماضي العريق المُتمثل بتمثال ربة الينبوع التي أصابها الإهمال، وبين المستقبل الغائم الذي ينتظر سكان القرى المحيطة ببحيرة الأسد، وهو ما سيؤثر على أفلامه اللاحقة بعد إعلان تبرئه من النظرة الإيجابية الساذجة التي شابت محاولته الأولى. 

تلا عرض الأفلام الأربعة حوار مع الجمهور تطرق إلى التجريبية وأبرز سماتها في تلك التجارب، وما سببته أحيانًا من فوضى في إيصال رسائل الأفلام، إلى جانب أهمية الحرية التي امتلكها المخرجون في تحديد خياراتهم الفنية التي صنعت ملامح أسلوبيتهم السينمائية والتي استمرت بعد تجاربهم الأولى. 

الكلمات المفتاحية

الفنان سلامة

وضاح سلامة: خائفٌ على مستقبل النحت في سوريا

يُفضّل وضاح سلامة اعتماد كلمة "البحث" في توصيف علاقته مع النحت، ذلك أن ثلاثين عامًا من الاشتغال على المعدن والحجر والخشب، وغيرها من الخامات، سمحت له بالكثير من التجارب والمحاولات


فيصل بني المرجة

فيصل بني المرجة: يمكن للفن أن يكون أداة للتغيير

بين سوريا حيث الجذور، والمهجر والغربة والصقل، راكم المخرج فيصل بني المرجة تجربة إخراجية وإنسانية لافتة


أمسية قصصية

نساء يسردن قصصًا عن الحرب.. نكتب كي لا تموت الحقيقة

كانت الأمسية القصصية التي نظمتها مؤخرًا "جمعية عاصمة السلام" في حمص، تتويجًا لورشة "كتابة القصة الشخصية"، بإشراف الحكواتي والممثل المسرحي بسام داوود، وذلك في دير الآباء اليسوعيين في حمص


جهاد عبده

علاقة مضطربة.. ماذا ينتظر السينمائيون السوريون من مؤسستهم؟

السؤال الجوهري اليوم ماذا ينتظر السينمائيون السوريون من مؤسستهم؟ وهل ما تزال الأخيرة قادرة على مواكبة التغييرات ضمن إصلاحات معينة أم يجب إعادة بنائها بطريقة أخرى تساهم في دعم السينما السورية؟

سيارات مستعملة
أخبار

وزارة النقل توضح أسباب وقف استيراد السيارات المستعملة

كشفت وزارة النقل السورية عن الأسباب التي دفعتها إلى اتخاذ قرارها الأخير، الذي يقضي بإيقاف استيراد السيارات المستعملة

بريكس 2025
أخبار

مجموعة "بريكس" تدين احتلال إسرائيل أراضٍ جديدة في سوريا وتدعم وحدتها

أدانت الدول الأعضاء في مجموعة "بريكس" احتلال إسرائيل لأجزاء جديدة من الأراضي السورية، داعية إياها إلى الانسحاب منها بشكل فوري


أهلي حلب الوحدة
منوعات

بعد تحقيقهما العلامة الكاملة.. انطلاقة قوية للكرامة وأهلي حلب في "بلاي أوف" الدوري الممتاز

أسفرت نتائج الجولة الأولى عن تحديد ملامح الصراع على اللقب بعد أن حقق الكرامة وأهلي حلب العلامة الكاملة

مكتبة
أخبار

استخراج مكتبة مدفونة منذ 10 سنوات في دير الزور لحمايتها من نظام الأسد

تداول نشطاء على منصات التواصل مقطعًا مصورًا يُظهر لحظة استخراج نحو ألفي كتاب كانت مخبأة تحت الأرض في قرية التبني بريف دير الزور

الأكثر قراءة

1
مجتمع واقتصاد

مشكلة الآثار في الحسكة.. تدمير الهوية الحضارية وسط ويلات الحرب


2
سياسة

من مرجعية دينية إلى لاعب سياسي.. ماذا نعرف عن الشيخ حكمت الهجري؟


3
قول

الهوية البصرية الجديدة: أين البصمة السورية؟


4
قول

ما الذي ينتظر السويداء بعد الدخول العسكري؟


5
أخبار

طقس سوريا: كتلة هوائية معتدلة وأجواء حارة ومغبرة شرقًا


advert