محمد آل رشي.. حديث واحد لا يكفي
9 مارس 2025
مضى الوقت وكأنه يركض نحو خط النهاية دون أن يحسب أي حساب لمتعة الحديث الذي جمعنا بالفنان محمد آل رشي في دمشق بعد غياب، مع كل سؤال طرحناه كان يخرج لنا من حقيبة ذكرياته جوابًا بحجم البلد والحنين، بطل "المهاجران" أخذنا إلى مسرحه في بلاد الاغتراب، مرّ بنا بأفكاره ورؤيته نحو الكثير من التفاصيل وأعادنا إلى أمنيات يسعى لتحقيقها على أرض الواقع، ساعة من الزمن باح لنا خلالها بالكثير من الأسرار في هذا الحوار.
مسرح بطعم الغربة
تبادلنا التحية بكل شوق ومحبة، فهو بعد سنوات من الاغتراب يجد نفسه في اللقاء الأول مع أهل الصحافة والفن، ونحن أيضًا أخبرناه كم انتظرنا هذه اللحظة، يبتسم بكل ود للجميع ويرى في عودته فرصة جميلة لغد أفضل. بدأنا بسؤال عن الاغتراب بسبب الموقف السياسي وكيف أثر على تجربته الإنسانية والمهنية فقال: "اندفعت بكل إكراه نحو قرار السفر والاغتراب كحال الكثير من السوريين، لحظة مغادرتي وضعت أسوأ التوقعات ولم أتعلّق بالآمال كي أحافظ على التوازن النفسي، في الطريق تخيلّت إمكانية حدوث كل شيء، استبعدت العمل في الفن والذهاب نحو مهنة أخرى فالبلد الذي أنا ذاهب إليه مجهول اللغة والحياة وحتى المجتمع وتفاصيل يومياته الذي بطبيعة الحال كان ركيزة أساسية من ركائز المهنة في سوريا، هناك وجدت المسرح موجودًا بين جمهوره الأوروبي، حتى أن هنالك أكشاكًا في الأسواق الشعبية يبيع تذاكر المسرح للناس، يدخل إليه الأوربيون للترفيه والثقافة وحتى للتعرّف على ثقافات أخرى، ومع التواجد السوري الكبير والمتنوع اجتمعت مع زملاء المهنة والأصدقاء محمد العطار، عمر أبو سعدة، أمل عمران، مضر حجي وائل قدور، وعدنا إلى شغفنا الأول خصوصًا وأن المسرح وسيلة أكثر من جيدة لجذب الأوروبيين نحو فهم السوريين أكثر، عرضنا العديد من المسرحيات والتي أخذت مؤخرًا اللون الوثائقي بإطار الدراما، وفي مدن متنوعة صفق لنا فيها الجمهور الأوروبي إلى جانب السوري".
تقنيات وتحديات
بدايات التجربة كانت مليئة بالتحديات التي ارتبطت بالبيئة المحيطة، يخبرنا آل رشي عنها بالقول: "مقص الرقابة كان مغلقًا ولدينا مطلق الحرية بالكتابة عما نريد، ولكن محدودية الوقت والإنتاج كانت المفاجأة بالنسبة لنا، مرحلة الإعداد للعرض المسرحي في سوريا كانت تُطبخ على نار هادئة لأشهر طويلة من الزمن للوصول إلى نتيجة مقنعة للممثل، هنا انصدمت بالسرعة الهائلة المفروضة على إنجاز أي عمل مسرحي، أحسسنا بالظلم في بعض الأحيان فالمجال ليس متاحًا كي تأخذ وقتك كفنان على الخشبة، التركيز يرافقك فقط أثناء كتابة النص ويتخلى عنك وأنت تنسق حجز المكان وتحل مشاكل السفر قبل بدء العرض، مع الأخذ بعين الاعتبار تواضع الإمكانيات المتاحة على المسرح، البساطة والدقة سمات أساسية في نص العرض ومفرداته". ويكمل لنا: "تقنيًا كانت التجربة جديدة لكنها مربكة فالجمهور الذي جاء ليتعرّف عليك على المستوى الفني انشغل لكثير من الوقت عن الأداء بقراءة الترجمة التي تظهر له، ذلك الأداء الذي لا يحتمل فقدان أي حلقة فيه حتى تكسب فضول واهتمام المتفرج، ومع مرور الوقت الذي وصل 7 سنوات بدأ الجمهور الأوروبي بأخذنا على محمل الجد".
على المستوى النفسي
الصدق في طرح المعاناة السورية الإنسانية مع أصدقاء تجرعوا ذات المرارة كان عاملًا نفسيًا مهمًا، وعن ذلك قال: "في كل الأوقات كانت تجمعنا قصتنا السورية التي قدمناها على الخشبة دون انتظار التعاطف أو الشفقة، بل وضع هذا الجمهور الغريب بنفس الخانة الإنسانية، فنحن أيضًا بشر مثلكم لدينا نفس مشاكلكم ولديكم مشاكلنا ذاتها، بألوان وأشكال مختلفة في الحياة، الظلم هو الظلم في أي بقعة جغرافية على هذا الكوكب ومن هذه المواضيع انطلقنا"، هنا سألناه عن ذكرياته هل صادفها على الخشبة؟
يخبرنا أنه أحرق كل مراكبه فهو يعلم نفسه جيدًا كم سيقتله الشوق، وفي لحظة قوة دفن مشاعره وذكرياته الطويلة في المهنة داخل أعماق قلبه، وغرق في الواقع الذي يحيطه ليفكر ويصنع من خلاله حياته الجديدة، مساحة المسرح ساعدته في خلق التوازن بين بناء عالمه الجديد وتذكر سبب الوصول إلى هذا العالم، بكل قوة ودون أي ضعف ليخلق حالة من الندية مع الجمهور.
ليلة السقوط: إسلاموفوبيا
سألناه عن ليلة السقوط، ابتسم ثمّ قال لي: "ليلتها خرج من أعماق قلبي ما خبأته من عاطفة وحنين إلى دمشق، هاجمتني الذكريات جميعها دون استثناء، أصبحت العودة متاحة بمنتهى البساطة بعد أن تحقق يوم السقوط الذي لطالما تخيلناه، أنا وزوجتي وبناتي، لندخل بعدها بالتفاصيل ولحظات من الخوف على بلد ربما سيدخل بحمام من الدم وينهار، لأن طريقة هروب ذلك الجبان كانت كارثية دون أي انتقال سياسي"، وأضاف: "لحظة اختيار توقيت المعركة من أذكى وأدق اللحظات، إذ أجبرت العالم أجمع على أن يرانا ويغيّر من طريقة تعامله معنا، أيضًا خلاصنا من إيران وأذرعها في المنطقة والديون الخارجية التي ابتلانا بها النظام السابق لهاولروسيا، وبعض المعارضة السياسية الخارجية التي كانت مستفيدة من استمرار الوضع على ما هو عليه، بالإضافة إلى الانفتاح الحذر نوعًا ما للدول العربية والغربية على الحكومة الجديدة، وبالطبع هناك مؤامرات خارجية وداخلية ولكنني أعول على ذكاء القيادة الجديدة لتجاوز هذه العقبات، ولقد لمست ذلك بالكلام والخطوات"، وأكمل: "هنالك تخوف من الإسلاميين، ولا أخفيك أنني كنت من هؤلاء اللذين عانوا من "الاسلاموفوبيا" بسبب البروباغاندا المزروعة في رأسنا من قبل النظام الساقط وبعضٍ من أصوات المجتمع الدولي، أفهم تمامًا مخاوف البعض، وجزء من هذه المخاوف هي انعدام الثقة المطلق بالدولة بسبب النظام السابق الهارب وما ارتكبه من اجرام وسرقة وفساد. هنالك بالتأكيد أخطاء ارتكبتها القيادة الجديدة ولكن لا أحد معصوم عن الأخطاء وأرى أنها تستفيد من أخطائها وتصلح ما تستطيع، فلنمنح الثقة لهذه القيادة ولنتعاون جميعًا للبناء ولمد الجسور فهنالك الكثير مما يجمعنا، فلننظر إلى النصف الممتلئ من الكأس، ولنصلح الأخطاء بروح إيجابية، علينا أن نقرر ونختار من نريد، ومن لديه مشروع وطني فليتفضل ويقنع الشعب به دون أي استغباء له أو استعلاء عليه".
العودة
"كامش حالي لإن إذا نزلت دمعة رح ينزل شلال ومارح يوقف" هكذا وصف الفنان محمد آل رشي شعوره أثناء التحضير للعودة، ويخبرنا عن ذلك بالقول: "منذ اليوم الثاني للسقوط تمنيت أنا وزوجتي العودة إلى سوريا ولكن الظروف لم تسمح بذلك، حديثنا الدائم عن العودة والاستقرار وما الذي سوف نفعله، ليلة السفر أمسكتني المشاعر المتضاربة بين الفرح الشديد والقلق الأشد، لم أعرف طعم النوم حينها، الخوف من عدم وجود الصور التي خبأتها في بالي، وبنفس الوقت منفتح على صور جديدة سوف أراها"، ويقول إن أول لقاء له كان مع أخته وعائلتها، لقاء مؤثر سمح آل رشي حينها لشلالات الدمع أن تخرج ما في داخله من شوق وحنين..
سوريا ـ أوروبا
سألناه عن انطباعاته حول الحالة الفنية خلال فترة إقامته في الخارج ليجيب: "حضرت عدة فعاليات فنية وثقافية تنوعت بين مشاريع تخرج لطلاب، بالإضافة إلى عروض غنائية وستاند أب كوميدي، كمية هذه الفعاليات جيدة بغض النظر عن الجودة فالفن يخضع للأذواق والتنوع موجود". ويضيف: "الفن دائمًا هو أداة مؤثرة وتوثيقية، ربما ليس ثوريًا ولا يقدم الحقائق، لكنه يدفعك للسؤال عن كل ما يحصل من حولك، وليس الحديث هنا عن التمثيل بل عن المسرح والموسيقى والرواية والشعر والفن التشكيلي وكل ما ينطوي تحت ذلك".
ختامًا، أخبرنا عن مشروع مسرحي غنائي درامي وثائقي مازال في خطواته الأولى وهو قيد التحضير على مستوى النص، ويحتاج إلى فريق من المسرحيين والموسيقيين، يحاول فيه التوأمة بين مسرحين في ألمانيا وسورية مع مجموعة من الشباب اللذين يفتخر بتجربتهم، ليكن المسرح حاضرًا في أبعد قرية بسوريا بعيدًا عن احتكار العاصمة للثقافة.
الكلمات المفتاحية

وضاح سلامة: خائفٌ على مستقبل النحت في سوريا
يُفضّل وضاح سلامة اعتماد كلمة "البحث" في توصيف علاقته مع النحت، ذلك أن ثلاثين عامًا من الاشتغال على المعدن والحجر والخشب، وغيرها من الخامات، سمحت له بالكثير من التجارب والمحاولات

فيصل بني المرجة: يمكن للفن أن يكون أداة للتغيير
بين سوريا حيث الجذور، والمهجر والغربة والصقل، راكم المخرج فيصل بني المرجة تجربة إخراجية وإنسانية لافتة

نساء يسردن قصصًا عن الحرب.. نكتب كي لا تموت الحقيقة
كانت الأمسية القصصية التي نظمتها مؤخرًا "جمعية عاصمة السلام" في حمص، تتويجًا لورشة "كتابة القصة الشخصية"، بإشراف الحكواتي والممثل المسرحي بسام داوود، وذلك في دير الآباء اليسوعيين في حمص

وزارة النقل توضح أسباب وقف استيراد السيارات المستعملة
كشفت وزارة النقل السورية عن الأسباب التي دفعتها إلى اتخاذ قرارها الأخير، الذي يقضي بإيقاف استيراد السيارات المستعملة

مجموعة "بريكس" تدين احتلال إسرائيل أراضٍ جديدة في سوريا وتدعم وحدتها
أدانت الدول الأعضاء في مجموعة "بريكس" احتلال إسرائيل لأجزاء جديدة من الأراضي السورية، داعية إياها إلى الانسحاب منها بشكل فوري

بعد تحقيقهما العلامة الكاملة.. انطلاقة قوية للكرامة وأهلي حلب في "بلاي أوف" الدوري الممتاز
أسفرت نتائج الجولة الأولى عن تحديد ملامح الصراع على اللقب بعد أن حقق الكرامة وأهلي حلب العلامة الكاملة

استخراج مكتبة مدفونة منذ 10 سنوات في دير الزور لحمايتها من نظام الأسد
تداول نشطاء على منصات التواصل مقطعًا مصورًا يُظهر لحظة استخراج نحو ألفي كتاب كانت مخبأة تحت الأرض في قرية التبني بريف دير الزور