مشروع لإلغاء قانون "قيصر".. خطوة جديدة في التحول الأميركي

تتسارع المؤشرات على نية الإدارة الأميركية التحرك لإلغاء "قانون قيصر"، في خطوة يقول مراقبون إنها تعكس تحولًا جذريًا في مقاربة واشنطن للملف السوري. وجاء آخر المؤشرات من خلال المشروع الذي قدّمه عضوا مجلس الشيوخ الأميركي، المشرعة الديمقراطية جين شاهين، إلى جانب المشرع الجمهوري راند بول، لإلغاء قانون "قيصر" الذي كان قد أقر عام 2019. وكان عضو الكونغرس الجمهوري جو ويلسون، مدعومًا من نواب من الحزبين، قدم مشروعًا مماثلًا الأسبوع الماضي.

وبحسب د. مرح البقاعي، المستشارة السياسية المعتمدة في البيت الأبيض، وأيمن عبد النور، السياسي والإعلامي السوري ــ الأميركي، قإن هذا التوجه الأميركي من شأنه أن يفتح الباب أمام عودة الاستثمارات وإعادة الإعمار في سوريا.

ترى البقاعي، في حديث لـ "الترا سوريا"، أن توقيت هذا التوجه ليس وليد الصدفة، بل يأتي في سياق دولي وإقليمي متغير، لا سيما إثر سقوط النظام. ويؤكد عبد النور وجود دعم من الحزبين الأميركيين لفكرة إلغاء قانون "قيصر" لا التجميد فقط، ما يفتح الباب لتحولات كبيرة في مستقبل سوريا الاقتصادي والسياسي، ويعيد خلط الأوراق على مستوى النفوذ الإقليمي والدولي داخل البلاد.

وقالت البقاعي إن مشروع القانون الذي تقدم به عضو الكونغرس جو ويلسون لإلغاء "قانون قيصر" يعكس فهمًا دقيقًا منه للوضع الراهن في سوريا بعد سقوط النظام. وأوضحت أن ويلسون يرى أن القانون لم يعد ضروريًا، إذ أُقرّ في الأصل لمعاقبة النظام السوري، "وحين يكون النظام قد رحل، فلا موجب لوجود قانون يعاقب كيانًا غير موجود".

وأضافت البقاعي أن التشريع الجديد سيسرّع من آلية التصويت داخل مجلس النواب الأميركي لإلغاء "قانون قيصر"، مشيرة إلى أن المشروع سيدفع باتجاه عقد جلسة خاصة لهذا الغرض في وقت أقرب مما هو متوقع.

كما لفتت إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سبق أن أصدر عدة أوامر تنفيذية ألغت بعض العقوبات المفروضة، واتخذ خطوات لإزالة اسم سوريا من قائمة الدول المصنفة كـ "دول بالغة الخطورة"، وهو ما اعتبرته من العوامل الدافعة نحو إلغاء القانون بالكامل.

فتح الباب أمام الاستثمارات وإعادة الإعمار

وتابعت البقاعي أن إعفاء سوريا من العقوبات الأميركية سيؤدي إلى رفع القيود التي تعيق الاستثمارات الأجنبية، سواء كانت أوروبية أو من الشرق الأوسط أو حتى من دول الشرق الأدنى، مؤكدة أن هذا الإعفاء سيشجع المستثمرين على الانخراط في مشاريع إعادة الإعمار دون الخوف من مخالفة القوانين الأميركية المتعلقة بالعقوبات.

وأشارت إلى أن حركة الأموال بين سوريا والعالم ستكون أكثر انسيابية، ما يحرّر المستثمرين ويمنحهم ثقة بإرسال أموالهم إلى سوريا، في ظل تشريعات اقتصادية جديدة قيد الإعداد.

تشريعات سورية جديدة لحماية الاستثمار

وفي السياق ذاته، كشفت البقاعي أن الحكومة السورية في دمشق تعمل حاليًا على صياغة قوانين استثمار "حداثية"، تتماشى مع القانون الدولي، وتراعي حجم الاستثمارات المتوقعة، بهدف توفير بيئة آمنة للمستثمرين وحماية أموالهم.

وقالت إن سوريا تعاني من "دمار شامل" خلّفه بشار الأسد، مشددة على أن البلاد بحاجة لإعادة بناء شاملة تبدأ من البنية التحتية، وتشمل المرافق العامة، والمراكز التجارية، والفنادق الكبرى، وكل ما يحتاجه الشعب السوري من أجل العيش الكريم.

واختتمت البقاعي حديثها بالتأكيد على أن المرحلة المقبلة ستشهد إعادة إعمار كافة المنشآت والمرافق التي تم تدميرها، من أجل تأمين حياة كريمة ورفاهية للشعب السوري بعد سنوات من المعاناة.

من جهته، كشف السياسي والإعلامي السوري ـ الأميركي، أيمن عبد النور، أن التوقيت الراهن بات مناسبًا لطرح إلغاء قانون "قيصر"، وذلك في ضوء التطورات الأخيرة في السياسة الأميركية، لا سيما بعد تصريحات وقرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبدء تنفيذها من خلال وزارتي الخارجية والخزانة.

وقال عبد النور لـ "الترا سوريا": "هذا الكلام لو طُرح قبل شهرين أو ثلاثة، لكان غريبًا عن السياق السياسي آنذاك، أما الآن فإن طرحه يبدو منطقيًا ومتماشيًا مع توجّه الإدارة الأميركية"، مضيفًا أن المشروع يحظى بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهو ما ينعكس في توقيع خمسة نواب آخرين عليه من كلا الحزبين.

وأشار إلى أن هناك توجهًا واضحًا لإلغاء القانون بالكامل بدلًا من الاكتفاء بتجميده، مؤكدًا أن هذا الخيار يمثل الإجراء الأنسب وفق رؤية الحزبين، كما يتماشى مع سياسة ترامب في تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط، وإنعاش الاقتصاد السوري، وحرمان روسيا وإيران وحزب الله من استغلال حالة الفوضى الاقتصادية.

قانون قيصر: تأثير عميق وتداعيات مرتقبة

وحول التأثير الاقتصادي لقانون قيصر، أكد عبد النور أن القانون ساهم بشكل كبير في انهيار الاقتصاد السوري، وقال: "لولا القانون، لما تدهورت قيمة الليرة السورية من 4000 إلى 11000 ثم إلى 15000 ليرة مقابل الدولار".

وأضاف أن القانون ساهم في تفتيت البنية الاقتصادية للمجتمع السوري، وجعله هشًا وسهل التأثير فيه من الداخل، مشيرًا إلى وجود دراسات وأصوات داخل الكونغرس تؤكد ذلك وتطالب بإعادة النظر في جدواه.

إلغاء القانون: بوابة للإعمار وإنعاش الاقتصاد

وفي ما يخص تداعيات إلغاء القانون، أكد عبد النور أن هذه الخطوة ستفتح الباب واسعًا أمام المستثمرين، وتمنحهم شعورًا بالأمان للعمل داخل سوريا، مما سيعجّل بعمليات إعادة الإعمار، ويُنشّط الاستيراد والتصدير، ويُعيد الحيوية إلى القطاعات الخدمية، ولا سيما قطاع الكهرباء والطاقة والهندسة.

وتوقع أن يؤدي الإلغاء إلى إيداعات محتملة من دول عربية في المصرف المركزي السوري قد تصل إلى 3 أو 5 مليارات دولار، ما سينعكس إيجابيًا على قيمة الليرة السورية، ويعيد تشكيل البنية القانونية للاقتصاد بما يسمح بنشاط اقتصادي طبيعي ومستقر.