من الأنقاض إلى الأمل.. مشروع إعادة تدوير الركام في الشمال السوري

في شمال سوريا، حيث خلّفت الحرب دمارًا هائلًا في البنية التحتية والمجتمعات، انطلق مشروع مبتكر لإعادة تدوير الركام، يحوّل أنقاض المباني المدمرة إلى مواد بناء تدعم إعادة إعمار مستدام. تقود منظمة "بنيان" هذه المبادرة في عدة مدن وبلدات، لتحويل آثار الدمار إلى ركيزة لإعادة بناء الحياة.

تبدأ العملية بجمع الأنقاض من المناطق المنكوبة ونقلها إلى محطات تدوير مجهزة بآلات للفرز والطحن. يُفرز الحديد والبلاستيك يدويًا، بينما تُطحن الأنقاض لإنتاج مواد مثل "الزرايدي" - رمل ناعم يُستخدم في صناعة البلوك والإنترلوك - و"الجماش" لتعبيد الطرق الزراعية. 

يشرح المهندس عبد الباري الشحود، مسؤول المشروع في منظمة "بنيان"، تفاصيل العملية قائلًا: "نجمع الأنقاض أولًا من المدن والبلدات، وننقلها إلى محطة مجهزة بآلات للفرز والطحن. بعد الفرز اليدوي، نُفصل التربة عن باقي المواد، ثم نطحن الركام للحصول على بودرة ناعمة تُستخدم في صناعة البلوك والإنترلوك، ومادة الحصى أو 'الجماش' التي نستخدمها في فرش الطرقات الزراعية".

ويضيف الشحود، مستعرضًا الجوانب الفنية: "نضبط الآلات لإنتاج حصى بمقاسات دقيقة، تتراوح من صفر إلى 12 أو 15 سنتيمترًا، حسب متطلبات المشاريع المحلية. هذا التحكم يضمن جودة المواد وملاءمتها لأغراض البناء المختلفة".

في شمال سوريا، أطلقت منظمة "بنيان" مبادرة لتحويل أنقاض الحرب إلى مواد بناء، في خطوة تجمع بين الإعمار والاستدامة

ويتحدث الشحود عن الرؤية طويلة الأمد للمشروع: "هدفنا ليس فقط إنتاج مواد بناء، بل بناء مجتمعات قادرة على النهوض من جديد. من خلال توظيف العمال المحليين، نمنحهم مصدر رزق يساعدهم على استعادة كرامتهم، بينما نعيد تشكيل المناطق المدمرة بموارد كانت في يوم من الأيام جزءًا منها. نشعر بالفخر عندما نرى طريقًا زراعيًا يُعبّد بـ 'الجماش' أو منازل تُبنى ببلوك من إنتاجنا".

يسهم المشروع في خفض تكاليف الإعمار عبر توفير مواد بناء محلية، ويخلق فرص عمل تدعم الاقتصاد المنهك. كما يعزز الاستدامة بتقليل الاعتماد على الموارد الخام ومعالجة الآثار البيئية للأنقاض المتراكمة. 

يوسف الحسين، مسؤول في مشروع مماثل لإعادة تدوير الركام، يشارك رؤيته في حديث لـ "الترا سوريا": "إن تقنيات تدوير أنقاض المباني باتت تحظى باهتمام متزايد في عدد من المناطق السورية". وأوضح أن "الخرسانة الناتجة عن الدمار تُعاد معالجتها لإنتاج مواد بناء مثل الحصى وكتل الإسمنت، مما يقلل الحاجة إلى استخراج المواد الخام الطبيعية، التي يصعب توفيرها في ظل الأوضاع الحالية".

ويستطرد الحسين موضحًا أهمية المشروع بيئيًا واقتصاديًا: "نحن لا نعيد تدوير الركام فحسب، بل نعيد تدوير الأمل. هذه المشاريع تقلل من التلوث البصري والبيئي الناتج عن الأنقاض، وتوفر حلًا عمليًا في ظل شح الموارد. على سبيل المثال: استخدام الحصى المعاد تدويره في الطرق الزراعية يساعد المزارعين على الوصول إلى أراضيهم بسهولة أكبر، مما ينعكس إيجابًا على إنتاجهم".

ويؤكد الحسين على دور المجتمع المحلي قائلًا: "إشراك الأهالي في عمليات الفرز والإنتاج يعزز شعورهم بالمسؤولية تجاه مناطقهم. يشعرون أنهم يساهمون فعليًا في إعادة بناء وطنهم، وهذا يعطي دفعة معنوية هائلة في ظل الظروف القاسية".

رغم هذه الإنجازات، يواجه المشروع تحديات كبيرة، مثل تجهيز معامل التدوير بمعدات حديثة، وضمان خلو المواد من الملوثات أو المخلفات غير المنفجرة، وصعوبات نقل الأنقاض بأمان في مناطق لا تزال غير مستقرة. 

يعلق عبد الباري الشحود على هذه العوائق بالقول: "أحيانًا، نضطر للتوقف عن العمل في بعض المواقع بسبب مخاطر الألغام أو القذائف غير المنفجرة".